﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ﴾: الدّابّة: كلّ ما يدبّ على الأرض، وتُستَخدم في العرف للدّلالة على أيّ كائنٍ يدبّ على الأرض غير الإنسان، وفي آيةٍ أخرى يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ {الأنعام: من الآية 38}.
﴿ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾: كلمة: ﴿ عَلَى ﴾ تُفيد أنّ الرّزق حقٌّ للدّابّة، لكنّها لم تفرضه على الله سبحانه وتعالى، وإنّما سبحانه وتعالى ألزم نفسه بهذا الحقّ لها.
﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾: المستقرّ: هو مكان الاستقرار، والمستودع هو مكان الوديعة، والله سبحانه وتعالى هو الّذي يرزق الدّابّة، فهو يعلم مستقرّها أين تعيش ليوصل إليها هذا الرّزق، وهو بذلك يُطمئِن كلّ إنسانٍ أنّ رزقه يعرف عنوانه لكنّ الإنسان لا يعرف عنوان الرّزق، فالرّزق يأتي إليه من حيث لا يحتسب، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ {الطّلاق: من الآية 2-3}، لكنّ السّعي إلى الرّزق شيءٌ آخر، فقد يسعى الإنسان إلى رزقٍ ليس له بل هو رزقٌ لغيره.
﴿ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾: أي أنّ كلّ أمرٍ مكتوبٌ، وهناك فرقٌ بين أن تفعل ما تريد ولكن لا يحكم إرادتك مكتوبٌ فلا يأتي على بالك أن تفعله، وبين أن تفعل أمراً قد وُضِعت خطواته في خطّةٍ واضحةٍ مكتوبةٍ ثمّ تأتي أفعالك وفقاً لما كتبت، ومن عظمة الله سبحانه وتعالى أنّه كتب كلّ شيءٍ، ثمّ يأتي كلّ ما في الحياة وفق ما كتبه باختيار الإنسان، ويُحاسب الإنسان على اختياره، وهذا من علم الغيب الّذي لا يمكن للعقل البشريّ أن يعلم ماهيته وكينونته، وكثيرٌ من النّاس يقولون: كيف كتب الله سبحانه وتعالى عليّ؟ لكن ما أدراك ما كتب الله عزّ وجلّ عليك؟ فالله سبحانه وتعالى بيّن لك الطّريق وأعطاك الاختيار، وقال لك: سأحاسبك على الاختيار، فهو علم وكتب ما ستفعله قبل أن تفعل بعلمه الأزليّ، فلا تقل: بأنّه كتب عليك.