الآية رقم (7) - وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾: تعرّض القرآن الكريم لمسألة خلق الأرض والسّماء أكثر من مرّةٍ، فقد شاء سبحانه وتعالى أن يخلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ من أيّام الدّنيا، وهو قادرٌ جلّ جلاله أن يخلقها بأقلّ من طرفة عينٍ، وهناك فارقٌ بين إيجاد الشّيء وطرح مكوّنات إيجاد الشّيء، وهذا يحدث بالنّسبة لأفعال البشر، فهل أفعال الله سبحانه وتعالى تحتاج إلى علاجٍ؟ إنّ أفعال الله عزّ وجلّ لا علاج فيها؛ لأنّها كلّها تأتي بكلمة:﴿كُن﴾.

﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾: العرش في اللّغة العربيّة هو سرير الـمُلك، والله سبحانه وتعالى سمّى سرير ملكة سبأ بالعرش فقال جلّ جلاله: ﴿ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)﴾ {النّمل}، قال المفسّرون: عرش الباري سبحانه لا يُحدّ؛ لأنّ الله جلّ جلاله لا يُحدّ، وهو مُضافٌ إلى الله سبحانه وتعالى للكناية عن مُلك الله عزّ وجلّ ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ فلا يقولنّ قائلٌ: كيف كان عرشه؟ ولا يتصوّر عرشاً كعرش الـمُلك، وماءً كماء البحار، وإنّما هذا من علم الغيب الّذي اختصّ به الله سبحانه وتعالى فكلّ ما يتعلّق بالله جلّ جلاله من صفاته وأفعاله لا نستطيع إدراكها فهو سبحانه وتعالى:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ {الشّورى: من الآية 11}، فهنا أخبرنا سبحانه وتعالىبذلك، ولكنّ الكيف مجهولٌ بالنّسبة إلينا.

﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾: الابتلاء هو اختبارٌ، فوجود الإنسان في هذه الحياة هو اختبارٌ.

﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾: فهي أعمالٌ يُحصيها الله سبحانه وتعالى لنا، قال جلَّ جلاله: ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41) ﴾ {النَّجم}

﴿ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾: سحرٌ واضحٌ، محيطٌ بكلّ من يريد أن يسحره، ولكن بقاؤهم كافرين دليلٌ على أنَّه ليس بسحرٍ، وإلَّا لِمَ لَمْ يسحرهم أيضًا؟ فهذه قضيةٌ مردودةٌ.

«وَهُوَ»: الواو استئنافية ومبتدأ والجملة مستأنفة.

«الَّذِي»: اسم موصول خبر.

«خَلَقَ السَّماواتِ»: ماض ومفعوله المنصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم والفاعل مستتر.

«وَالْأَرْضَ»: معطوف على السموات.

«فِي سِتَّةِ»: متعلقان بخلق.

«أَيَّامٍ»: مضاف اليه والجملة صلة.

«وَكانَ عَرْشُهُ»: الواو عاطفة وكان واسمها والجملة معطوفة.

«عَلَى الْماءِ»: متعلقان بالخبر المحذوف.

«لِيَبْلُوَكُمْ»: اللام لام التعليل ومضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والكاف مفعوله الأول والفاعل مستتر وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر باللام ومتعلقان بخلق.

«أَيُّكُمْ»: أي مبتدأ والكاف مضاف اليه.

«أَحْسَنُ»: خبر.

«عَمَلًا»: تمييز والجملة في محل نصب مفعول به ليبلوكم.

«وَلَئِنْ»: الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وإن شرطية.

«قُلْتَ»: ماض وفاعله والجملة ابتدائية.

«إِنَّكُمْ»: إن واسمها والجملة مقول القول.

«مَبْعُوثُونَ»: خبر إن المرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم.

«مِنْ بَعْدِ»: متعلقان بمبعوثون.

«الْمَوْتِ»: مضاف اليه.

«لَيَقُولَنَّ»: اللام واقعة في جواب قسم محذوف ومضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والنون حرف لا محل له والجملة لا محل لها لأنها جواب قسم محذوف وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم.

«الَّذِينَ»: اسم موصول فاعل.

«كَفَرُوا»: ماض وفاعله والجملة صلة.

«إِنْ»: حرف نفي.

«هذا»: الهاء للتنبيه واسم الإشارة مبتدأ.

«إِلَّا»: أداة حصر.

«سِحْرٌ»: خبر هذا.

«مُبِينٌ»: صفة والجملة مقول القول.

وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ: أي وكان عرشه قبل خلق السموات والأرض على الماء، وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السّموات والأرض. وليس المعنى على سبيل كون أحدهما ملتصقا بالآخر، وإنما كقوله: السماء على الأرض.

والماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم.

والعرش: مركز التنظيم للملك ومصدر التدبير، وهو أعظم من السموات والأرض.
لِيَبْلُوَكُمْ: متعلّق بخلق، أي خلق ذلك لحكمة بالغة هي أن يعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم المختبر لأوضاعكم كيف تعملون.

والابتلاء: الاختبار والامتحان.

أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا: أي أطوع لله، وأعمال المؤمنين هي التي تتفاوت إلى حسن وأحسن، وأما أعمال الكافرين فتتفاوت إلى حسن وقبيح.

إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ: أي ما هذا القرآن الناطق بالبعث، والذي تقوله يا محمد إلا سحر، أي تخييل وتمويه، مُبِينٌ أي بيّن ظاهر البطلان. ويجوز تضمين قُلْتَ معنى ذكرت. ومعنى قولهم: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أن السحر أمر باطل، وأن بطلانه كبطلان السحر، تشبيها له به.