الآية رقم (19) - أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾: يلفت الله سبحانه وتعالى نظر هؤلاء المكذّبين لله ورسوله إلى السّماء، ولكنّ الله سبحانه وتعالى يسوق الأمر في هيئة استفهام: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إ ﴾، وهذا تأكيدٌ أنّهم فعلاً رأوا، فلماذا يكفرون ويكذّبون؟! ومثل هذا قوله سبحانه وتعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ﴾ [يس]، وهنا يلفت الحقّ سبحانه وتعالى إلى الطّير السّابح في السّماء؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾، فالطّير يطير في السّماء بحركة الجناحين الّتي تدفع الهواء وتقاوم الجاذبيّة فلا يسقط إلى الأرض، فإذا ما قبض الطّائر جناحيه يظلّ معلَّقاً في السّماء لا يسقط، فمن يُمسكه في هذه الحالة؟ هذه صورة نشاهدها لا يشكّ فيها أحد، وهذه الطّير تسبّح لله سبحانه وتعالى، يقول جل جلاله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾  [النّور].

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾: أي أنّها في حالة بسط الأجنحة وفي حالة قبضها تظلّ معلّقة لا تسقط، وكذلك نجد من الطّيور ما له أجنحة طويلة، لكنّه لا يطير، مثل الأوز وغيره من الطّيور، فليست المسألة مسألة أجنحة، بل هي آيةٌ من آيات الله سبحانه وتعالى تمسك هذا الطّير في جوّ السّماء، فتراه حرّاً طليقاً لا يجذبه شيءٌ إلى الأرض، ولا يجذبه شيءٌ إلى السّماء، بل هو حرٌّ يرتفع إن أراد الارتفاع، وينزل إن أراد النّزول.

﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾: وكأنّ الخالق سبحانه وتعالى يقول: خذ من الطّير المشاهَد نموذجاً ووسيلة إيضاح، فهو سبحانه وتعالى برحمته يمسك السّماء أن تقع على الأرض، قال جل جلاله: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾[الحجّ].

وكلمة: ﴿الرَّحْمَنُ﴾ من صيغة المبالغة، فإذا قيل: (رحمن) تكون مبالغة في الصّفة، وكذلك إذا قيل: (رحيم) تكون مبالغة في الصّفة، والله سبحانه وتعالى رحمن الدّنيا ورحيم الآخرة، واسم ﴿الرَّحْمَنُ﴾  يفيد أنّ رحمته سبحانه وتعالى تعُمّ الخلق جميعاً، والرّحمن يُنعِم بالنّعم كلّها على خلقه كلّهم، المؤمن وغير المؤمن.

﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾: الباء للتّبعيض؛ أي: بأدنى شيء هو بصير ومطّلع عليه، فلا تعتقدوا أنّ هناك شيئاً يخفى على الله سبحانه وتعالى، أو أنّ أحداً يستطيع أن يخدع الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى بصيرٌ بكلّ شيءٍ، ليس بالظّاهر منك فقط، ولكن بما تخفيه في نفسك ولا تُطلِع عليه أحداً من خلق الله عز وجل.

«أَوَلَمْ» الهمزة حرف استفهام والواو استئنافية

«يَرَوْا» مضارع مجزوم بلم والواو فاعله والكلام مستأنف لا محل له

«إِلَى الطَّيْرِ» متعلقان بالفعل

«فَوْقَهُمْ» ظرف مكان

«صافَّاتٍ» حال

«وَ» الواو حرف عطف

«يَقْبِضْنَ» مضارع مبني على السكون ونون النسوة فاعله والجملة معطوفة على ما قبلها

«ما يُمْسِكُهُنَّ» ما نافية ومضارع ومفعوله

«إِلَّا» حرف حصر

«الرَّحْمنُ» فاعل والجملة استئنافية لا محل لها

«إِنَّهُ» إن واسمها

«بِكُلِّ» متعلقان ببصير

«شَيْءٍ» مضاف إليه

«بَصِيرٌ» خبر والجملة تعليل

  صافّات ويَقبضْن باسطاتٍ أجنحتهنّ في الجوّ عند الطيران ويَضْمُمْـنـَـها إذا ضربنَ بها جُنوبهنّ