هذه الآية نستند لها عندما نقوم بالخطبة، نأتي على مشروعيّة الخطبة في الإسلام، فمن الّذي قال: إنّ الإسلام كما يصوّرون يمنع الرّجل من رؤية من يريد خطبتها، فلا يتعرّف إليها إلّا عندما يدخل عليها!! من الّذي قال؟ لا يعرفها أبداً ولم يشاهدها أبداً؟! أهكذا شرعُ الإسلام؟ لا، ليس هكذا شرعُ الإسلام، وإنّما نأخذ شرع الإسلام من القرآن ومن سنّة النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ضمن الضّوابط الشّرعيّة.
الخطبة هي فترة زمنيّة مقدّمة للزّواج حتّى يتمّ وفق الضّوابط الشّرعيّة، يتمّ التّعرف بموافقة الأهل بين زوج وزوجة المستقبل، وحتّى تتمّ دراسة متأنيّة قبل توقيع عقد شراكة الحياة وهذا من حقوق المرأة ومن حقوق الرّجل، فيأتي ويقول: أبوها زوَّجها، ماذا يعني أبوها زوَّجها؟ فلماذا شُرعت الخطبة؟ ألا يجب أن يأخذ موافقتها؟ ألا تريد المرأة أن ترى الرّجل الّذي ستتزوّجه؟ ألا يريد الرّجل أن يرى المرأة الّتي سيتزوّجها؟ ألا يريد أن يكون عنده علم بها؟ إذاً ضمن الضّوابط الشّرعيّة الّتي نعرفها جميعاً، تشريع الخطبة جاء في معرض الحديث عن المتوفّى عنها زوجها، لماذا؟ لأنّك لا تستطيع أن تخطب أو تنوي الزّواج حتّى تنتهي العدّة بالنّسبة للمطلّقة أو المتوفّى عنها زوجها.
(وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ)
(عَرَّضْتُم) عرّض بالشّيء تعريضاً، وذلك في امرأة توفّى عنها زوجها، وهي لا تزال في عدّتها، فمن يريد أن يخطبها، وله علاقة مع أخيها أو أبيها أو أسرتها، فعرّض لأحدهم أو ألمح أنّه من الممكن أن يكون هناك خطبة أو زواج بعد انتهاء العدّة، لكن يوجد شرط هنا تبيّنه الآية وهو أن لا يوجد عزم، بل تعريض فقط أي تلميح. فالله سبحانه وتعالى يحاسبك على العمل؛ لأنّك قد تكون أضمرت في نفسك لكن يجب ألّا تكون وصلت إلى العزم، ويوجد شرط هنا: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا) هذه هي الشّروط الشّرعيّة، ممكن أن تعرِّضوا، لكن المواعدة واللّقاء السّري لا، (إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا)القول المعروف هو القول الحسن والمتعارف عليه في المجتمع، بالأدب تتعامل العائلات مع بعضها والنّاس مع بعضها من أجل الزّواج والخطبة حتّى يكون البناء سليماً، لكنّه بيّن وقال: (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) إذاً العزم على أن تتزوّج بشكل نهائيّ لا يجوز حتّى تنتهي العدّة، فمعنى (حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ): حتّى تنتهي العدّة.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ): انظر كيف اختلف تذييل الآيات، كلّ كلمة في كتاب الله لها معنى ولها مدلول، فيجب أن نستدلّ بها لماذا؟ لماذا الّتي قبلها كانت: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، والّتي قبلها: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، وهذه جاءت في نهايتها: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) استخدم هنا صفات خبير بصير غفور حليم، استخدم هنا غفور حليم ولم يستخدم بصير بالرّغم من أنّه قال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)، فأنت عندما تتصرّف وخصوصاً التّصرّف الّذي فيه مشقّة على النّفس، وفيه شهوة ظاهرة، فيجب أن تعلم أنّ الله يعلم ما في نفسك حتّى لو أظهرت أمام المجتمع بأنّك حريص، وأنّك وأنّك.. لكنّ الله يعلم السّرّ وأخفى، إذاً هنا تحذير (فَاحْذَرُوهُ)، نحن نرتقي إلى الله بجناحين؛ جناح الرّحمة والمغفرة، وجناح المخافة من العذاب.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ): بالرّغم من أنّه قال: يعلم ما في أنفسكم، يعلم ما في دخائل سرائركم فاحذروا منه، لكن انظروا رحمة الله ولطفه بالبشر، لم يقل: رحيم، بل قال: حليم، هنا القضيّة، غفور لتتناسب بأنّ الله سبحانه وتعالى يعلم الضّيق أو يعلم بأنّ هذه القضيّة ضيّقة بالنّسبة للإنسان، ضيّقة بالنّسبة للمرأة أن تبقى أربعة أشهر وعشراً وأن تبقى بالعدّة إن كان يوجد مجال للخطبة أو مجال للزّواج، يوجد محاورات نفسيّة داخليّة تعتلج النّفوس حولها، فالله سبحانه وتعالى قال لك: احذر ولا تعمل هكذا، مع ذلك بيّن لك بأنّه غفور حليم، بيّن لك بأنّه غفور يغفر الذّنوب وأنّه حليم.