(وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ): وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى يُخبر نبيّه بما يُخفيه المنافقون عنه، فقد همّ المنافقون بقتل المسلم الّذي سمع قولهم: لنحن شرٌّ من الحمير، لكي لا يُفشيه. وقيل: هم اثنا عشر رجلاً من المنافقين وقفوا على العقبة في طريق تبوك -والعقبة هي مجموعةٌ من الصّخور العالية الّتي تعترض الطّريق- ليفتكوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء جبريل عليه السّلام وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم، فأرسل حُذيفة رضي الله عنه لذلك.
(وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ۚ): نقموا؛ أي كرهوا، والغنى كما نعلم أمرٌ لا يُكره، لكن وروده هنا دليلٌ على فساد طبعهم وعدم الإنصاف في حكمهم؛ لأنّ الغنى والأمن اللّذان لحقا بهم ليسا عيباً ولا يولّدا كراهيّةً، بل كان من الطّبيعيّ أن يولّدا حبّاً وتفانياً في الإيمان وحبّاً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليس تآمراً عليه، وقد جاءت العبارة هنا بالإفراد، فلم يقل سبحانه وتعالى: (أغناهم الله ورسوله من فضلهما)، ولكن قال: (أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ۚ)؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى لا يُثنّى مع أحدٍ حتّى لو كان سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن عديّ بن حاتم: أنّ رجلاً خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله»، قال ابن نمير: «فقد غوى»([1])، فلا يجمع مع الله عزّ وجلّ أحدٌ.
(مِن فَضْلِهِ ۚ): لأنّ فضل الله سبحانه وتعالى منسحبٌ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضلٌ فهو من فضل الله جلّ جلاله.
(فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ): فتح لهم باب التّوبة رحمةً بالمجتمع؛ لأنّها لا تدفع المجرم للاستشراء في إجرامه، وقد تاب جُلَاسٌ بعدها وحسُن إسلامه.