الآية رقم (1) - يس

﴿يس ﴾: يصحّ أنْ تكون حروفاً مُقطَّعة مثل: ﴿الم ﴾ و﴿طه ﴾، ويصحّ أنْ تكون حروفاً مُقطّعة صادفتْ اسماً؛ لذلك من أسمائه صلى الله عليه وسلم: يس وطه، ولا مانع أن يكون الاسم على حرفين، بل على حرفٍ واحدٍ مثل: ﴿ن ﴾ في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم]، وقد جُعِل عَلَماً على سيّدنا ذي النّون عليه السلام، كذلك ﴿ق﴾ أصبح عَلَماً على الجبل المعروف، فهذه حروفٌ مُقطَّعة، ويمكن أنْ تنتقل إلى العَلَميّة، ويُسمَّى بها.

وكثيراً ما تحدَّثنا عن الحروف المقطَّعة في أوائل السّور، وكلّما مَرَّت معنا حروفٌ مُقطَّعةٌ لا بُدَّ أنْ نتحدّث عَمَّا تحتمله من المعاني، والحرف له اسمٌ ومُسمَّى، اسم الحرف لا يعرفه إلّا المتعلّم، أمّا مُسمَّى الحرف فيعرفه المتعلّم والأمّيّ، فكيف عرف محمّدٌ صلى الله عليه وسلم أسماء هذه الحروف ونطق بها، وهو الأمّيّ الّذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة؟ الجواب: أنّه عُلِّم وعرف من ربّه عز وجل.

وحين نتأمّل حروف اللّغة العربيّة نجدها ثمانية وعشرين حرفاً، والحروف المقطَّعة في القرآن الكريم أربعة عشر، فهي نصف الحروف العربيّة، وللفخر الرّازي -رحمه الله- جدولٌ مدهشٌ ينظّم هذه الحروف، ويوضّح أنّها وُضعِت لحكمةٍ، ووُضِعَتْ بقدرٍ وحساب، هذه الحروف الأربعة عشر تُقسّم كما يأتي:

مجموع حروف اللّغة ثمانية وعشرون حرفاً، التّسعة الأوائل بداية من الألف إلى الذّال لم تأخذ الحروف المقطّعة منها إلّا حرفين: الألف والحاء، وتركت منها سبعة أحرف، أمّا الأحرف التّسعة الأخيرة، وتبدأ من الفاء فقد أخذتْ منها الحروف المقطّعة سبعة أحرف، هي: القاف والكاف واللّام والميم والنّون والهاء والياء، وتركتْ منها الفاء والواو، فهي على عكس التّسعة الأُولى، أمّا الحروف العشرة في الوسط الّتي تبدأ من الرّاء وتنتهي بالغين، فلها نَسَقٌ آخر، حيث أخذت الحروفُ المقطّعة منها الأحرف غير المنقوطة، وهي الرّاء والسّين والصّاد والطّاء والعَين، وتركت منها الزّاي والشّين والضّاد والظّاء والغين.

إذا جمعنا هذه الأحرف المقطّعة نجدها تكوّن عبارة: (نصُّ حَكيمٍ لهُ سِرٌّ قاطع)، وهكذا نرى أنّ هذه الحروف لم تُوضع اعتباطاً، إنّما وُضِعت بقدرٍ ونظامٍ له حكمةٌ ووراءه أسرار، وُضِعت بهندسةٍ مقصودة الذّات، فهي مثل أسنان المفتاح، والله سبحانه وتعالى يفتح بها لـمَنْ يشاء، ومن حكمته سبحانه وتعالى أنّه لم يُعْطِ أسرار هذه الحروف كلّها لجيلٍ من الأجيال، إنّما وزَّع عطاءها على مَرِّ الأزمان بحيث لا يستقبل جيلٌ من الأجيال كلامَ الله سبحانه وتعالى بلا عطاء، ليظلّ القرآن الكريم نوراً يُضيء جنبات الدّنيا إلى قيام السّاعة.

نستهلّ السّورة كبقيّة السّور بالاستعاذة والتّسمية قبلها، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النّحل].

ونبدأ أيّ عملٍ بـ: بسم الله الرحمن الرحيم، ولا نُقبل على عملٍ إلّا باسم الله سبحانه وتعالى، بدليل أنّ الله سبحانه وتعالى بيّن لنا على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم: «كلّ أمرٍ ذى بال لا يُبدَأ فيه ببسم الله الرّحمن الرّحيم أقطع»([1]).

وللعلماء أقوالٌ في (يس)، قالوا: الياء للنّداء و(س) من أسمائه صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ من عادة العرب أنْ تحذف بعض حروف الكلمة، وتُبقي على الحرف المميّز قويّ الجرْس.

وقال آخرون: بل اسمه صلى الله عليه وسلم (يس)، وحُذِفت ياء النّداء، والخطاب لمحمّد صلى الله عليه وسلم.

(([1] جامع الأحاديث: قسم الأقوال، حرف الكاف، الحديث رقم (15582).

«يس» هذه الحروف لا إعراب لها