الآية رقم (16) - وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ

﴿بُرُوجًا﴾: البروج: تعني المباني العالية، والحقّ سبحانه وتعالى هو القائل: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النّساء: من الآية 78]، وهو جل جلاله القائل: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ [البروج]، والمعنى الجامع لهذا كلّه هو الزّينة الـمُلْفتة بجِرْمها العالي، وقد تكون مُلْفِتة بجمالها الأخَّاذ.

والبروج: جمع بُرْج، وهي منازل الشّمس والقمر، فكلّما تحرّكت الشّمس في السّماء انتقلت من برجٍ إلى آخر، وكذلك القمر، مصداقاً لقول الحقّ سبحانه: ﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [الأنبياء: من الآية 33]، وهو سبحانه وتعالى القائل: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾  [يونس: من الآية 5]؛ أي: لنضبط التّوقيتات على ضَوْء تلك الحركة لكلٍّ من الشّمس والقمر، ونحن حين نفتح بعض الصُّحف نقرأ ما يُسمَّى بأبواب الطّالع، وفيه أسماء الأبراج: برج الحَمَل، وبرج الجدي، وبرج العذراء، وغيرها، وهي أسماء سريانيّة للمنازل الّتي تنزلها أبراج النّجوم، وهم اثنا عشر برجاً، ولكلّ برجٍ مقاييس في الجوّ والطّقس، وحين نقرأ القرآن الكريم نجد قول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النّحل]، وبعضهم يحاول أن يجد تأثيراً لكلّ برجٍ على المواليد الّذين يُولدون أثناء ظهور هذا البرج، وقد أقسم الله سبحانه وتعالى بمواقع النّجوم فقال: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ [الواقعة]، وهناك مَنْ يقول: إنّ لكلّ إنسانٍ نجماً يُولَد معه ويموت معه؛ لذلك يُقَال: هوى نجم فلان، ونحن لا نجزم بصِحّة أو عدم صِحّة مثل هذه الأمور؛ لأنّه لم تثبُت علميّاً، والحقّ سبحانه وتعالى أعلم بأسراره، وقد يُعلِّمها لبعضٍ من خَلْقه.

﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ : أي: أنّ هناك تأكيداً لوجود تلك البروج في السّماء، وليس هذا الجَعْل لتأثيرها في الجوّ، أو لأنّها علامات نهتدي بها، فضلاً عن تأثيرها على الحرارة والرّطوبة والنّباتات، ولكنّها مع ذلك كلّه تؤدّي مُهمّة جماليّة كبيرة، وهي أن تكون زينة لكلّ مَنْ ينظر إليها، لذلك قال الحقّ تبارك وتعالى: ﴿وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ﴾ ، ذلك أنّ الشّيء قد يكون نافعاً؛ لكن ليس له قيمة جماليّة، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل للنّجوم قيمةً جماليّةً، ذلك أنّه قد خلق الإنسان، ويعلم أنّ لنفسه مَلَكاتٍ مُتعدّدة، وكُلّ مَلَكةٍ لها غذاء، فغذاءُ العين المنظر الجميل، والأذن غذاؤها الصّوت الجميل، والأنف غذاؤه الرّائحة الطّيّبة، واللّسان يعجبه المذاق الطّيّب، واليد يعجبها الـمَلْمَس النّاعم، وهذا ما نعرفه من غذاء الـمَلَكات للحواسّ الخمس الّتي نعرفها.

«وَلَقَدْ» الواو عاطفة واللام واقعة في جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق

«جَعَلْنا» ماض وفاعله

«فِي السَّماءِ» متعلقان بجعلنا

«بُرُوجاً» مفعول به والجملة معطوفة على ما سبق

«وَزَيَّنَّاها» ماض وفاعله ومفعول به والجملة معطوفة

«لِلنَّاظِرِينَ» متعلقان بزيناها

جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً يقال: هي اثنا عشر برجا. وأصل البرج: القصر والحصن