الآية رقم (19) - وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا

﴿بَعَثْنَاهُمْ﴾: أي أيقظناهم من نومهم؛ لأنّ نومهم الطّويل الّذي استغرق ثلاثمئة سنة وتِسْعاً أشبه الموت، فقال سبحانه وتعالى: ﴿بَعَثْنَاهُمْ﴾، والبعْثُ هنا لقضيّةٍ خاصّة بهم، وهي أنْ يسأل بعضهم بعضاً عن مُدّة لُبثهم في الكهف، وقد انقسموا في سؤالهم هذا إلى فريقين، الفريق الأوّل: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾، فردَّ الفريق الآخر بما تقتضيه طبيعة الإنسان في النّوم العاديّ، فقال: ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾، فالإنسان لا يستطيع تقدير مدّة نومه بالضّبط، لكن المعتاد في النّوم أن يكون يوماً أو بعض يوم.

وقد أخذ العلماء من هذا القول أنّهم حين تساءلوا هذا السّؤال لم يجدوا في ذواتهم شيئاً يدلُّ على مرور زمنٍ طويلٍ، حيث وجدوا أنفسهم على الحال الّتي ناموا عليها، فلم يتغيّر مثلاً حالهم من الشّباب إلى الشّيخوخة، ولم يتغيّر شعرهم مثلاً إلى البياض؛ لذلك قالوا: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾، ولو وجدوا أنفسهم شيباً لقدَّروا الزّمن المناسب لهذا الشّيب.

لا شكَّ أنّنا أمام آيةٍ من آيات الخالق سبحانه وتعالى، ومعجزةٍ من معجزاته لا يقدر عليها إلّا المالك للزّمان والمكان، القابض للزّمان ليومٍ أو بعض يوم، الباسط له إلى مئة عامٍ.

﴿قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾: وهو قَوْل الجماعة الّذين أرادوا إنهاء الخلاف في هذه المسألة، فقالوا لإخوانهم: دعونا من هذه القضيّة الّتي لا تفيد، واتركوا أمرها لله سبحانه وتعالى. ونجد دائماً أنّ الحقّ سبحانه وتعالى يأمرنا أنْ ننقلَ الجدل من شيءٍ لا ننتهي فيه إلى شيءٍ، ونُحوّله إلى الأمر المثمر النّافع؛ لذلك قالوا:

﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ﴾: والوَرِق: يعني العملة من الفضّة، فأرادوا أنْ يرسلوا أحدهم بما معهم من النّقود ليشتري لهم من المدينة طعاماً؛ لأنّهم بمجرّد استيقاظهم انتهت حالتهم الاستثنائيّة، وعادوا إلى طبيعتهم؛ لذلك طلبوا الطّعام، لكن نلحظ هنا أنّ الجوع لم يحملهم على طلب مطلق الطّعام، بل تراهم حريصين على تزكية طعامهم واختيار أَطيبه وأَطْهره، وأبعده عن الحرام.

﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾: وكذلك لم يَفُتْهم أنْ يكونوا على حذرٍ من قومهم، فَمْن سيذهب منهم إلى هذه المهمّة عليه أن يدخل المدينة خِلْسةً، وأن يتلطّف في الأمر حتّى لا يشعر به أحدٌ من القوم؛ ذلك لأنّهم استيقظوا على الحالة الّتي ناموا عليها، وما زالوا على حَذَرٍ من قومهم يظنّون أنّهم يتتبّعونهم ويبحثون عنهم، ويسعَوْن للقضاء عليهم.

«وَكَذلِكَ» الواو استئنافية والكاف حرف تشبيه وجر وذا اسم إشارة متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف واللام للبعد والكاف للخطاب

«بَعَثْناهُمْ» ماض وفاعله ومفعوله والجملة استئنافية

«لِيَتَسائَلُوا» اللام لام التعليل ومضارع منصوب بحذف النون الواو فاعل واللام وما بعدها متعلقان ببعثناهم

«بَيْنَهُمْ» ظرف مكان متعلق بيتساءلوا والهاء مضاف إليه

«قالَ قائِلٌ» ماض وفاعله والجملة مستأنفة

«مِنْهُمْ» متعلقان بقائل

«كَمْ» اسم استفهام ظرف زمان

«لَبِثْتُمْ» ماض وفاعله والجملة مقول القول

«قالُوا» ماض وفاعله والجملة مستأنفة

«لَبِثْنا» ماص وفاعله والجملة مقول القول

«يَوْماً» ظرف زمان متعلق بلبثنا

«أَوْ بَعْضَ» معطوف على ما سبق

«يَوْمٍ» مضاف إليه

«قالُوا» ماض وفاعله والجملة مستأنفة

«رَبُّكُمْ أَعْلَمُ» مبتدأ وخبر والجملة مقول القول

«بِما» ما موصولية ومتعلقان بأعلم

«لَبِثْتُمْ» ماض وفاعله والجملة صلة

«فَابْعَثُوا» الفاء حرف عطف وأمر وفاعله

«أَحَدَكُمْ» مفعول به والجملة معطوفة والكاف مضاف إليه

«بِوَرِقِكُمْ» متعلقان بابعثوا

«هذِهِ» الها للتنبيه وذا اسم إشارة صفة لورقكم

«إِلَى الْمَدِينَةِ» متعلقان بابعثوا

«فَلْيَنْظُرْ» الفاء عاطفة واللام لام الأمر ومضارع مجزوم بلام الأمر وفاعله مستتر والجملة معطوفة

«أَيُّها» اسم استفهام في محل رفع مبتدأ والهاء مضاف إليه

«أَزْكى» خبر مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر

«طَعاماً» تمييز والجملة مقول القول

«فَلْيَأْتِكُمْ» إعرابها مثل إعراب فلينظر والكاف مفعول به

«بِرِزْقٍ» متعلقان بيأتكم

«مِنْهُ» متعلقان بصفة محذوفة لرزق

«وَلْيَتَلَطَّفْ» إعرابها مثل فلينظر

«وَلا يُشْعِرَنَّ» الواو عاطفة ولا ناهية ومضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وفاعله مستتر والجملة معطوفة

«بِكُمْ» متعلقان بيشعرنّ

«أَحَداً» مفعول به

وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ أحييناهم من هذه النّومة التي تشبه الموت.
(الورق) الفضة دراهم كانت او غير دراهم. يدلك على ذلك أن عرفجة بن اسعد أصيبت أنفه يوم الكلاب فأتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه- أي من فضة- فأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم ان يتخذ أنفا من ذهب

أَيُّها أَزْكى طَعاماً يجوز أن يكون أكثر، ويجوز أن يكون أجود، ويجوز أن يكون أرخص. والله اعلم. وأصل الزكاء: النّماء والزيادة.
وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً أي لا يعلمن. ومنه يقال: ما أشعر بكذا.

وليت شعري. ومنه قيل: شاعر، لفطنته