الآية رقم (13) - وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ

لا بدّ أن نتحدّث عن ضرب الأمثال في القرآن الكريم، والضّرب هو إيقاع شيءٍ على شيءٍ، ويتوجّب أن يكون الضّارب أقوى من المضروب، يقول الرّافعيّ:

أَيا هَازِئاً مِنْ صُنُوفِ القَدَرِ
وَيَا ضَارِباً صَخْرةً بِالعَصَا                     .
بنفْسِكَ تُعنف لَا بالقَدَر
ضَربْتَ العَصَا أَمْ ضرَبْتَ الحَجَر؟
.

والضّرب يؤدّي إلى الإيلام كما قلنا، لذلك فإنّنا عندما نسمع الأمثال: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا﴾، فهناك ضربٌ على العقل وليس على اليد، فالأمثال في القرآن الكريم كثيرةٌ، وفي سورة النّور يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾[النّور: من الآية 35]، هذا أعظم مثلٍ ضُرب على وجه الأرض، هذا المثل هو مثلٌ للتّنوير الّذي ينوّره الله سبحانه وتعالى؛ لأنّنا لا نستطيع أن نحيط بنور الله عز وجل، فلنلحظ هذا المثل بعظمته، ومعناه باختصارٍ شديدٍ: يتعلّق بمشكاة، الّتي هي نافذة (كوّة) صغيرة، لماذا المصباح في زجاجة؟ سؤال فيزيائيّ، كي يحجب الهواء ويمنع من الدّخان فيكون النّور صافياً، الزّجاجة كأنّها كوكب دريٌّ، والكوكب الدّريّ يضيء بذاته، ثمّ إنّ هذا المصباح يُوقَد بزيتٍ من أرقى أنواع الزّيوت وهو زيت الزّيتونة، هذه الزّيتونة لا هي شرقيّة فتكون حارّة، ولا هي غربيّة فتكون باردة، والزّيت من أنقى أنواع الزّيوت؛ لأنّه يُضيء بنفسه، ولو لم تمسسه نار، نورٌ على نور، تصوّروا هذه المجموعة كلّها من الأنوار تضيء، وهذا المثل ليس هو نور الله سبحانه وتعالى، وإنّما هو تنوير الله جل جلاله.

وهنا في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ ﴾:

أيّ قرية؟ أيّ مرسلين؟ لا نعرف، والله سبحانه وتعالى لا يريد منّا أن نعرف، فلا العلم فيها مفيد، ولا الجهل عنها مضرّ، لكن المهمّ هو العبرة من المثل، بعض المرويّات قالت: بأنّها منطقةٌ هنا أو منطقةٌ هناك، وبأنّ المرسلين الاثنين، أرسلهم سيّدنا عيسى عليه السلام إلى النّاس في تلك المدينة، لكنّ الله سبحانه وتعالى لم يقل، لماذا لم يقل من هم المرسلون وما هي القرية؟ لأنّه يريد ألّا نتعلّق بالبلد أو بالأشخاص، لكنّه يريد أن تبقى العبرة.

«وَاضْرِبْ» الواو استئنافية وأمر فاعله مستتر وضرب هنا بمعنى جعل أي اجعل لهم

«لَهُمْ» متعلقان بمحذوف حال

«مَثَلًا» مفعول به ثان

«أَصْحابَ» مفعول به أول

«الْقَرْيَةِ» مضاف إليه والجملة مستأنفة

«إِذْ» ظرف زمان

«جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ» ماض ومفعوله المقدم وفاعله المؤخر المرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة مضاف إليه والمرسلون هم رجلان من أصحاب عيسى عليه السلام أرسلهما إلى تلك المدينة ليهدوا أهلها إلى الإيمان