الآية رقم (2) - مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ

﴿ بِمَجْنُونٍ : المجنون: أي: المستور عقله، الّذي يفعل الأفعال بدون أيّ غاية، وكلامه لا ينسجم مع بعضه، أمّا العاقل فيفعل الفعل لغايةٍ ولهدفٍ يرجوه، وكلّ رسولٍ اتّهمه كفّار قومه إمّا بالسّحر وإمّا بالجنون، وكذلك نبيّنا ﷺ اتُّهم بذلك كبقيّة الرّسل الكرام، والله تعالى يقول له: أنت يا محمّد بنعمة ربّك لست بمجنون، والنّعمة هنا هي ما أنزله الله تعالى على رسوله من الكتاب والحكمة، فهي المنهج الحقّ، وقد هداك الله تعالى إلى هذا المنهج القويم، فجاءتك النّعمة الكاملة من الله عز وجل، ومَن هَداه الله تعالى إلى النّعمة الكبرى لا يكون مجنوناً أبداً، فالمجنون يتصرّف بلا منطق، وكذلك ليس القرآن الكريم بكلام كهنة؛ لأنّ رسول الله ﷺ نشأ بينهم ويعلمون أنّه ﷺ الصّادق الأمين الّذي لم يتلقَّ علماً من أحد، فضلاً عن أنّ كلام الكهّان له سَمتٌ خاصٌّ وسجعٌ معروف، والقرآن الكريم ليس كذلك، فاجلسوا مثنى أو فُرادى وادرسوا تصرّفات النّبيّ ﷺ، ستجدون أنّها تصرّفات منطقيّة مبنيّة على خُلُقٍ كاملٍ مُكتَمِل، والنّبيّ لا يكون أبداً ساحراً أو مجنوناً، فهاتان الصّفتان أبعد ما تكونان عن وصف النّبيّ ﷺ؛ لأنّه قدوة في السّلوك، وما شاهدتم عليه أبداً علامة من علامات السّحر أو الجنون، والله تعالى هنا يُسلّي قلب النّبيّ ﷺ، ويعطيه الأسوة الّتي تجعله غير حزين لِـمَا يقولونه، فالحقّ تعالى يعلم بأنّه يُحزِنه الّذي يقولون من الكفر ومن اتّهامات له ﷺ، فلا تحزن لتكذيبك، فأنت يا محمّد منزّهٌ عن كلّ ما اتّهموك به.

«ما» عاملة عمل ليس

«أَنْتَ» اسمها

«بِنِعْمَةِ» متعلقان بمجنون

«رَبِّكَ» مضاف إليه

«بِمَجْنُونٍ» خبر ما مجرور لفظا بالباء الزائدة منصوب محلا والجملة الاسمية جواب القسم لا محل لها