ذكر الحقّ تعالى ما فعله قوما ثمود وعاد مُجمَلاً، فقال تعالى: ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾، هذه جريمة كلّ من القومين، فالجريمة واحدة مشتركة بينهما، أمّا العقوبة الّتي جاءتهما فمختلفة، وجاء الحقّ تعالى أوّلاً بالعقوبة الواقعة بقوم ثمود أنّهم أُهلكوا ﴿بِالطَّاغِيَةِ﴾، وفي آيةٍ أخرى أنّهم عوقبوا وعُذّبوا بالصّيحة، فقال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾[العنكبوت: من الآية 40]، وفي آيةٍ أخرى أنّ قوم ثمود عُذِّبوا بالرّجفة، فقال عز وجل: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دَارِهِمْ جَٰثِمِينَ﴾[الأعراف]، واستخدم الله تعالى ثلاثة أوصاف للعذاب الّذي نزل بقوم ثمود الّذين كذَّبوا صالحاً عليه السلام وعقروا النّاقة الّتي أرسلها إليهم: الطّاغية، الصّيحة، الرّجفة، هذا العذاب جعل الواحد منهم إن كان واقفاً ظلّ على وقوفه، وإن كان قاعداً ظلّ على قعوده، وإن كان نائماً ظلّ على نومه، أو كما نقول: انسخطوا على هيئاتهم، فالجاثم: هو من لزم مكانه فلم يبرح أو لصق بالأرض، وفي آيةٍ أخرى سمّى الله تعالى هذا العذاب (الصّاعقة)، قال عز وجل: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصّلت]، والمتأمّل لهذه الألفاظ الأربعة: الطّاغية، الصّيحة، الرّجفة، الصّاعقة، يجد أنّها تؤدّي كلّها معنى الحدث الّذي يَدْهَم ولا يمكن الفكاك منه، حتّى أنّهم أُلقوا على ركبهم وعلى جباههم بلا حركة، وقد وصف الله تعالى هيئتهم بعد إرسال الصّيحة الّتي رجفتهم، فقال تعالى: ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَٰحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ﴾[القمر]؛ أي: أصبحوا كرمادٍ يحترق، فالهشيم حطام الشّجر، فكانوا كالهشيم الّذي يجمعه صاحب الحظيرة ليمنع ما يدخل إلى غنمه أو غيره، فما يبس وسقط وتفتّت وداسته الأغنام أصبح هشيماً.
﴿بِالطَّاغِيَةِ﴾: الطّاغية الّتي تجاوزت الحدّ، ويُقال لمن تجاوز الحدّ: طاغية، بتاء التّأنيث الدّالّة على المبالغة، فالصّيحة الّتي كانت هي عذاب قوم ثمود تجاوزت الحدود الّتي قد يحتملها الإنسان.