الآية رقم (4) - كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ

فقوم ثمود طلبوا ناقةً للدّلالة على صدق رسالة صالح عليه السلام، وعندما حدثت المعجزة كفروا بها، فعاقبهم الله عز وجل شرّ العقاب.

وقد بيّن لهم الحقّ تعالى طريق الهداية لكنّهم اختاروا الضّلال واستحبّوا لأنفسهم الكفر على الإيمان، وكذّبوا نبيّ الله صالحاً عليه السلام وعقروا النّاقة، والحقّ تعالى يقول: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾[فصّلت: من الآية 17]، فالحقّ تعالى قصّ علينا قصص الأنبياء حين أرسلهم إلى أقوامهم، فمن كذّب بالرّسل أخذه الله عز وجل أخذ عزيزٍ مقتدرٍ بواقعٍ يشهده الجميع، فذكر نوحاً عليه السلام مع قومه، وذكر عاداً وأخاهم هوداً عليه السلام، وذكر ثمود وأخاهم صالحاً عليه السلام، ومدين وأخاهم شعيباً عليه السلام، وقوم لوط وأخاهم لوطاً عليه السلام، ومدائن صالح وآثارهم في الجزيرة العربيّة، وكيف حفروا بيوتهم في صخور الجبال: ﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾[الفجر].

وقد كان دأب الأمم السّابقة التّكذيب، وقد قال تعالى: ﴿كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  كَذَّبُواْ بِـَايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ  وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ﴾[آل عمران]، فعندما يتحدّث عز وجل عن الحاقّة يتحدّث عن تكذيب النّاس بهذه الحاقّة: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾ ، ويقول الله تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً  أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً  وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصّلت]، وقوم عاد كذّبوا رسولهم: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [هود]، فعادٌ وثمود كذّبوا الرّسل، وكذّبوا بالبيّنات الّتي جاءتهم بها رسلهم، وهم أيضاً كذّبوا بالقارعة المذكورة هنا في هذه الآية الّتي معنا:

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ﴾: فما هي القارعة؟ هي الشّيء الّذي يطرق بعنفٍ على هادئٍ ساكن، ومنها أُخذ قرع الباب، وهناك فرقٌ بين: (نقر الباب) و(قرع الباب)، والقارعة تقرع القلوب والأسماع والجوارح بما يهزّ القلوب بالأهوال، فالقارعة تقرع القلوب بشدّة الخوف، والقرع الضّرب بشدّة، سمّيت قارعة؛ لأنّها تقرعهم، وتفزع القلوب، وتفزع بالعذاب، فعاد وثمود كذّبوا باليوم الآخر، وأنّ هناك بعثاً وحشراً وجمعاً ليوم الجمع، يوم التّغابن.

والمتأمّل هنا يجد في القرآن الكريم شيئاً عجيباً، فالسّورة اسمها سورة الحاقّة، وهي بدأت بقوله تعالى: ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾، ولكنّه تعالى عندما ذكر تكذيب قوم ثمود وقوم عاد لم يقل عز وجل: (إنّهم كذّبوا بالحاقّة)، بل قال عز وجل: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ﴾، فذكر اسماً آخر من أسماء القيامة وهو القارعة، فهي حاقّة تحقّ فيها الحقائق، ويفصل الله تعالى فيها بين الخلائق، فيحقّ للمؤمنين ثوابهم ويحقّ للكافرين عقابهم، وهي أيضاً قارعة، تقرع القلوب بالهول والرّعب، وتقرع الكون.