الآية رقم (212) - زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ

(وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا): هذا أمر طبيعيّ؛ لأنّهم يحصلون على ما يريدون بأبسط وأسهل الطّرق، ويُطلقون لأنفسهم عنان الشّهوات، يسرحون بها ويمرحون وهي الطّرق الملتوية، فجهد عام يأخذه سارق بلحظات، وجهد دراسة خمس سنوات يأخذه آخر بالتّزوير وشراء الشّهادات، وهكذا.. إذاً هم يسخرون من الّذين آمنوا، يسخرون؛ لأنّهم يحصلون على الأمر الّذي يريدون من الطّرق الملتوية والطّرق غير الصّحيحة وطرق الحرام، ويعتقدون أنّها الطّريق الأمثل والأسهل، فإذاً هذه المقاييس هي مقاييس هابطة، زُيّن لهم هذه الحياة الدّنيا؛ لأنّهم فصلوا الحياة الدّنيا عن الآخرة، فصلوا النّعمة عن المنعم، فصلوا الخلق عن الخالق.

(وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ): الّذين اتّقوا، ولم يقل: الّذين آمنوا، هذا كلام ربّ العالمين وليس كلام بشر، لو كانت من وضع بشر لأتت الآية بالشّكل التّالي: (زُيّن للذين كفروا الحياة الدّنيا ويسخرون من الّذين آمنوا) طالما يسخرون من الّذين آمنوا فالجواب: (والّذين آمنوا فوقهم يوم القيامة)، بينما الله سبحانه وتعالى بدّل كلمة الّذين آمنوا فوقهم يوم القيامة وقال: (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)؛ لأنّ المعيار هنا معيار يتعلّق بيوم القيامة، ومعيار يوم القيامة معيار دقيق، والإيمان في الحياة الدّنيا قد تشوبه بعض الأشياء، فالإيمان يزداد وينقص، تزيده الطّاعة وتنقصه المعصية، أمّا التّقوى فهي قمّة ونتيجة كلّ عمل إيمانيّ، وزيادة من جنس ما يقوم به الإنسان (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ) [الذّاريات]، فهم جمعوا مع

زُيِّنَ: فعل ماض مبني للمجهول.

لِلَّذِينَ: جار ومجرور متعلقان بزين.

كَفَرُوا: فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول.

الْحَياةُ: نائب فاعل.

الدُّنْيا: صفة للحياة وجملة زين استئنافية.

وَيَسْخَرُونَ: الواو عاطفة، يسخرون فعل مضارع وفاعل والجملة عطف على ما قبلها.

مِنَ الَّذِينَ: متعلقان بيسخرون.

آمَنُوا: فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول.

وَالَّذِينَ: مبتدأ.

اتَّقَوْا: فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول.

فَوْقَهُمْ: مفعول فيه ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر الذين.

يَوْمَ: ظرف زمان متعلق بمحذوف الخبر أيضا.

الْقِيامَةِ: مضاف إليه والجملة الاسمية والذين اتقوا معطوفة على ما قبلها.

وَاللَّهُ: لفظ الجلالة مبتدأ.

يَرْزُقُ: فعل مضارع والفاعل هو والجملة خبر المبتدأ

(اللَّهُ يَرْزُقُ): استئنافية.

من: اسم موصول مفعول به.

يَشاءُ: فعل مضارع والجملة صلة الموصول والفاعل هو

بِغَيْرِ: متعلقان بيرزق.

حِسابٍ: مضاف إليه.

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: حسّن لأهل مكة.

الْحَياةُ الدُّنْيا: بالتمويه، فأحبوها.

وَيَسْخَرُونَ: يستهزئون من الذين آمنوا لفقرهم، كبلال وعمار وصهيب، ويتعالون عليهم بالمال.

وَالَّذِينَ اتَّقَوْا: الشرك وهم هؤلاء.

وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ: أي بغير تقدير ولا حصر ولا تعداد على حسب الإيمان والتقوى والكفر والفجور، أو أنه كناية عن

السعة، فيرزقهم رزقاً واسعاً في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فبالتسلط على أولئك الساخرين، وأما في الآخرة فبالفوز بالجنة

والرضوان الإلهي، وهذا كما يقال: «هو ينفق بغير حساب» على معنى أنه ينفق كثيراً.