الآية رقم (212) - زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ

لماذا قال الله سبحانه وتعالى: (زُيِّنَ) بصيغة المبني للمجهول؟ ولم يقل: زيّن الشّيطان لهم وأضمرها بقوله: (زُيِّنَ) وفي آية أخرى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران]،  (زُيِّنَ)؟ الجواب: أنّ هذا التّزيين إمّا أن يكون تزييناً بحلال فيكون من الله، وإمّا أن يكون تزييناً بحرام فيكون من الشّيطان، لذلك بُني للمجهول، ومصدر هذا التّزيين مجهول، فالزّينة تكون بالحلال وأن يتمتّع الإنسان بالحياة: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص]، إذاً أن تأخذ نصيبك من الدّنيا فكلّ شهوة لها مصرف حلال في الدّنيا، شهوة الجنس لها مصرف الزّواج بالحلال، شهوة جمع المال لها طريق العمل والكسب بالعرق والتّعب، شهوة المجد تحصل بالتّعب والسّهر والاجتهاد، إذاً كلّ شهوة من شهوات الدّنيا لها مصرف حلال فيكون التّزيين لها من الله سبحانه وتعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) أمّا إذا كانت من الشّيطان كالحصول على متعة الجسد من غير ضوابط شرعيّة، والزّنا، وجمع المال بالسّرقة والرّشوة، فهذه المنكرات وغيرها تزيين من الشّيطان، لذلك بُنيت على المجهول، (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) إذاً مقاييس الكافرين مقاييس هابطة لا تتعلّق إلّا بالدّنيا، تبعد المخلوق عن خالقه، وتعزل النّعمة عن المنعم، وأنت أيّها المؤمن انظر من خلال النّعمة في الحياة الدّنيا لمن أنعمها عليك، من خلال ذلك تأخذ النّعمة مجراها الحقيقيّ، أمّا التّزيين من الشّيطان فهو تزيين باطل (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) فهم لا ينظرون إلّا إلى متع الحياة الدّنيا.

زُيِّنَ: فعل ماض مبني للمجهول.

لِلَّذِينَ: جار ومجرور متعلقان بزين.

كَفَرُوا: فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول.

الْحَياةُ: نائب فاعل.

الدُّنْيا: صفة للحياة وجملة زين استئنافية.

وَيَسْخَرُونَ: الواو عاطفة، يسخرون فعل مضارع وفاعل والجملة عطف على ما قبلها.

مِنَ الَّذِينَ: متعلقان بيسخرون.

آمَنُوا: فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول.

وَالَّذِينَ: مبتدأ.

اتَّقَوْا: فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول.

فَوْقَهُمْ: مفعول فيه ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر الذين.

يَوْمَ: ظرف زمان متعلق بمحذوف الخبر أيضا.

الْقِيامَةِ: مضاف إليه والجملة الاسمية والذين اتقوا معطوفة على ما قبلها.

وَاللَّهُ: لفظ الجلالة مبتدأ.

يَرْزُقُ: فعل مضارع والفاعل هو والجملة خبر المبتدأ

(اللَّهُ يَرْزُقُ): استئنافية.

من: اسم موصول مفعول به.

يَشاءُ: فعل مضارع والجملة صلة الموصول والفاعل هو

بِغَيْرِ: متعلقان بيرزق.

حِسابٍ: مضاف إليه.

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: حسّن لأهل مكة.

الْحَياةُ الدُّنْيا: بالتمويه، فأحبوها.

وَيَسْخَرُونَ: يستهزئون من الذين آمنوا لفقرهم، كبلال وعمار وصهيب، ويتعالون عليهم بالمال.

وَالَّذِينَ اتَّقَوْا: الشرك وهم هؤلاء.

وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ: أي بغير تقدير ولا حصر ولا تعداد على حسب الإيمان والتقوى والكفر والفجور، أو أنه كناية عن

السعة، فيرزقهم رزقاً واسعاً في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فبالتسلط على أولئك الساخرين، وأما في الآخرة فبالفوز بالجنة

والرضوان الإلهي، وهذا كما يقال: «هو ينفق بغير حساب» على معنى أنه ينفق كثيراً.