الآية رقم (5) - تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ

﴿ تَنْزِيلَ ﴾: تنزيل القرآن الكريم جاء من جهة العلوّ، وعندما نقول: تنزيل، فإذاً هناك شيءٌ أعلى وشيءٌ أدنى، كالحديد الّذي قال عنه سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [الحديد: من الآية 25]، فالحديد يستقرّ في باطن الأرض، لكنّه أُنزِل من السّماء، وقد اكتشف العلماء هذا الأمر حديثاً. والقرآن الكريم نزل من الأعلى فيجب أن يستقرّ في باطن القلب، لذلك (يس) هي قلب القرآن الكريم.

﴿الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾: لماذا قال هنا: ﴿الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾، ولم يقل: (القويّ الحكيم)؟ لأنّ الله سبحانه وتعالى عندما نزّل القرآن الكريم فإنّه يقول للإنسان: هو رحمةٌ لك وشفاء، ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: من الآية 82]، ولكنّني عزيزٌ؛ أي أنّي لا أُغلَب، ولا أحتاج لعبادة خلقي، فالّذي لا يسير على الصّراط المستقيم، على طريق القرآن الكريم فإنّني لا أُغلب، سأغلبه ولو بعد حين؛ أي سيدخل جهنّم، لذلك جاء بهاتين الصّفتين.

﴿الْعَزِيزِ﴾: هو المستغني عن عبادتنا جميعاً، القويّ الّذي لا يُغلب، وقد جاء في الحديث القدسيّ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ»([1]).

﴿الرَّحِيمِ﴾: رحيمٌ؛ لأنّك إذا أخذت بالقرآن الكريم فلا شكّ بأنّ الرّحمة هي النّصيب.

([1]) صحيح مسلم: كتاب البرّ والصّلة والآداب، باب تحريم الظّلم، الحديث رقم (2577).

«تَنْزِيلَ» مفعول مطلق لفعل محذوف

«الْعَزِيزِ» مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله

«الرَّحِيمِ» صفة