وهنا في هذه الآية لم يَقُل الله سبحانه وتعالى: (أتجعلون مَنْ لا يخلق مِثْل من يخلق)، بل قال: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾، ووراء ذلك حكمة، فهؤلاء الّذين نزل إليهم الحديث تعاملوا مع الأصنام وكأنّها إله، وتوهَّموا أنّ الله جل جلاله مخلوقٌ مثل تلك الأصنام؛ ولذلك جاء القول الّذي يناسب هذا التّصوُّر، والله تبارك وتعالى يريد أنْ يُبطِل هذا التّصوُّر من الأساس، فأوضح أنّ مَنْ تعبدونهم هم أصنامٌ من الحجارة وهي مادّة ولها صورة، وأنتم صنعتموها على حَسْب تصوُّركم وقدراتكم، وفي هذه الحالة يكون المعبود أقلَّ درجةً من العابد وأدنى منه، فضلاً عن أنّ تلك الأصنام لا تملك لِمَنْ يعبدها ضرّاً ولا نفعاً، ثمّ: لماذا تدعون الله سبحانه وتعالى إنْ مسَّكُم ضُرٌّ؟ إنّ الإنسان يدعو الله جل جلاله في موقف الضّرّ؛ لأنّه لحظتها لا يجرؤ على خداع نفسه، أمّا الآلهة الّتي صنعوها وعبدوها لا تسمع الدّعاء: ﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر]، فكيف تساوون بين مَنْ لا يخلق، ومن يخلق؟ إنّ عليكم أنْ تتذكَّروا، وأنْ تتفكَّروا، وأن تُعْمِلوا عقولكم فيما ينفعكم.
«أَفَمَنْ» الهمزة للاستفهام والفاء عاطفة ومن موصولية مبتدأ والجملة معطوفة على ما سبق
«يَخْلُقُ» مضارع فاعله مستتر والجملة صلة
«كَمَنْ» الكاف حرف جر ومن موصولية متعلقان بمحذوف خبر من
«لا يَخْلُقُ» لا نافية ويخلق مضارع فاعله مستتر والجملة صلة
«أَفَلا» الهمزة للاستفهام والفاء عاطفة ولا نافية
«تَذَكَّرُونَ» مضارع والواو فاعل والجملة صلة