هذه قضيّة عقيدة، وحين ترى آية فيها ذكر اليهود والنّصارى عليك أن تفرّق بين اليهود من جهة وبين النّصارى من جهة أخرى بحسب موقفهم من المسلمين. وهناك من يحاول أن يشوّه العلاقة بين الإسلام والمسيحيّة، وحين تحدّثت الآيات عن أهل الكتاب جرّمت اليهود وذكرت عداءهم للمسلمين فقال سبحانه وتعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ﴾ [المائدة: من الآية 82]، أمّا حين تحدّثت عن النّصارى فقد أعطت حكماً عامّاً فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾ [المائدة: من الآية 82]، وكلّ ما ورد في القرآن عن اليهود كان تقريعاً لهم، أمّا النّصارى فقد امتدحهم القرآن الكريم.
وما جاء في هذه الآية فهو توصيف لحالة أناس وأشخاص وليس تعميماً، وهذه حريّة اعتقاد والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: من الآية 256]، وديننا يكرم السيّد المسيح وأمّه السيّدة مريم العذراء، وقد جاءت في القرآن الكريم سورة باسم (آل عمران) منها قوله: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [آل عمران: من الآية 35] وامرأة عمران هي جدّة السيّد المسيح ووالدة السيّدة مريم، ولا يمكن لمسلم أن يسيء للمسيحيّين أو لمعتقدات المسيحيّة ويدّعي أنّه يجد ذلك في القرآن الكريم. وإذا كان اليهود والنّصارى يرون أنّه لن يدخل الجنّة إلّا من كان على دينهم فهذا أمرٌ اعتقاديّ، وقد كانت مجموعة من كلّ فريق تقول ذلك، وهي قضيّة تحتاج إلى برهان، ولسنا نحن من نحدّد فالحكم لله. ﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة]، وأيّة قضيّة تحتاج إلى برهان، حتّى قضيّة الدّخول إلى الجنّة.