الآية رقم (46) - الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

الخاشعون هم الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم وأنّهم إليه راجعون.

وقد قال: ﴿يَظُنُّونَولم يقل: (متيقّنون)، والظّنّ هنا بمعنى اليقين، فلماذا أتى بكلمة الظّنّ مادام يقيناً؟ وهذه إشارة قرآنيّة عظيمة، ولو أنّ الّذي كتب هذا القرآن من البشر لما خطر له أبداً أن يقول: ﴿يَظُنُّونَ، مادام المقصود هو اليقين. فالمعنى أنّهم متيقّنون، لكنّهم بمجرد الظّنّ يسارعون إلى الطّاعة. ومثال ذلك: أنّك لو كنت تسير في طريق سفر وقالوا لك: هناك طريقان ولك أن تختار ما تشاء، وأشاروا لك إلى أحد الطّريقين وقالوا لك: ولكن نظنّ أنّ هذا الطّريق يمكن أن يكون فيه قطّاع طريق، فأنت بمجرد الظّنّ ستختار الطّريق الآخر. وهكذا أمر الله سبحانه وتعالى، فالخاشعون بمجرّد الظّنّ بأنّهم ملاقوا ربّهم يخشعون أتمّ الخشوع، فإذا كنت تخشع في صلاتك بمجرّد الظّنّ فكيف إذا كنت متيقّناً؟

﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ: الرّجوع إلى الله هو ديدن هذه الدّنيا، يقول تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ  ]طه[، وليس هناك على وجه الأرض إنسان لن يموت، فكلّ من عليها فان، وقد قال الله سبحانه وتعالى لرسوله : وهو أعظم بشر عاش على وجه الأرض: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ]الزّمر[. ولم تستطع قوى الأرض رغم كلّ التّقدّم أن تمنع إنساناً من الموت، أو تؤخّر في أجله. والمؤمنون الصّالحون يقولون: الحمد لله على الموت. ولو تحدّثنا بشكل موضوعيّ بغض النّظر عن عقيدتنا وديننا، فإنّني أسأل كلّ دعاة السّلام ودعاة الحريّة والتّقدّم: أيّهما أفضل: أن نقول للنّاس: افعلوا ما شئتم ولكم مطلق الحريّة، أم أن نقول لهم: إنّكم ستموتون وستبعثون وستحاسبون؟ والنّاس اليوم برغم يقينهم بالموت، ورؤيتهم لمن يموت، والميّت يحمل ميّتاً إلى قبره، ومع ذلك هم يقتلون بعضهم بعضاً، ويسفكون دماء بعضهم بعضاً ويأكلون أموال بعضهم. ولو لم يكن موت لأصبحت الدّنيا غابة، فالحمد لله على الموت وعلى الإيمان وعلى دين الإسلام.

الَّذِينَ: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة للخاشعين.

يَظُنُّونَ: فعل مضارع وفاعل. والجملة صلة الموصول.

أَنَّهُمْ: أن واسمها، والميم علامة جمع الذكور.

مُلاقُوا: خبرها مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم، وحذفت النون للإضافة.

رَبِّهِمْ: مضاف إليه مجرور.

وَأَنَّهُمْ: الواو عاطفة.

أنَّ: حرف مشبه بالفعل والهاء اسمها.

إِلَيْهِ: متعلقان براجعون

راجِعُونَ: خبر.

(أنَّهم إليه راجعون): معطوفة, وسدت مسد مفعولي يظنون.

يَظُنُّونَ: يعتقدون أو يوقنون

مُلاقُوا رَبِّهِمْ: بالبعث

وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ: في الآخرة فيجازيهم.