الآية رقم (47) - يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ

جاءت قصص بني إسرائيل موزّعة على سورٍ كثيرةٍ في القرآن الكريم، وهي من أكثر قصصه؛ لأنّ سيّدنا موسى عليه السَّلام وهو شيخ أنبياء بني إسرائيل، عانى من بني إسرائيل أكثر ممّا يعانيه العرب والمسلمون اليوم من جرائمهم وإرهابهم وتآمرهم من خلال دولتهم الّتي تدّعي الانتساب لإسرائيل. وقد تحدّثت الآيات السّابقة عن العهد والميثاق الّذي أخذه الله تعالى عليهم. أمّا هذه الآية فهي تتحدّث مباشرة عن النّعم الّتي أنعم الله بها على بني إسرائيل، ويخاطبهم الله سبحانه وتعالى بنداء: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَفيقرّع اليهود الّذين عاصروا زمن تنزّل القرآن الكريم في شبه جزيرة العرب، وبالتّحديد من كان منهم في المدينة المنوّرة، حيث كانوا يعاندون ويجحدون ويتآمرون على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. والعبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.

وهذه الآية تذكّر شعب بني إسرائيل بأبيهم الّذي يتكنّون به، فإسرائيل هو يعقوب عليه السَّلام وهم يسمّون شعبهم باسمه زوراً وبهتاناً، ويبنون دولتهم العنصريّة الإرهابيّة الّتي زُرِعت في قلب الأمّة العربيّة والإسلاميّة تحت ستار اسم هذا النّبيّ، ويتستّرون وراء هذا الاسم ويتّخذونه شعاراً لجرائمهم. كما يتّخذ التّكفيريّون اليوم شعارات إسلاميّة لتغطية جرائمهم، والله عزَّوجل يقول: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ   ]البقرة[. ودين الله سبحانه وتعالىلا يأمر بالتّكفير ولا بالقتل، ولا يأمر بالبغض والحقد والكراهية، بل يأمر بالتّعاون على البرّ والتّقوى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  ]المائدة: من الآية 2[، وديننا يقول: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا   ]المائدة: من الآية 32[، ولم يحدّد النّفس مسلمة كانت أم غير مسلمة، ولا انتماء هذه النّفس ولا جنسيّتها أو دينها أو معتقدها بل أطلق كلمة نفس.

أمّا ما يفعله اليهود اليوم فهو تحريف وإلباسٌ للحقّ بالباطل، وقد كانت قصص بني إسرائيل في القرآن الكريم أطول القصص، والحديث بين موسى عليه السَّلام ومحمّد صلّى الله عليه وسلَّم عند معراج النّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم إلى السّماء كان من أطول الأحاديث. لأنّ أكثر ما ستتعرّض له الأمّة والبشريّة من فتن ومشاكل وجرائم ستكون من شعب بني إسرائيل، والله عزَّوجل بعلمه الكاشف يعلم ما سيحصل وما سيكون. وعندما يخبر الله سبحانه وتعالى عن قضيّة معيّنة، أو يذكر ما حدث في وقت مضى فإن في ذلك العظة والعبرة لكلّ زمان.

والله سبحانه وتعالى يناديهم باسم أبيهم يعقوب عليه السَّلام كمن يقرّع ولداً ويذكّره بأبيه الصّالح وبما أوصاه به، ولا شكّ أنّ وصيّة الإنسان لأولاده وهو على فراش الموت ستكون أصفى وأنقى ما يقول، وهي تحمل خلاصة تجربته في الحياة، والله سبحانه وتعالىحين يقول لهم: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَيذكّرهم بوصيّة أبيهم يعقوب وهو إسرائيل: ﴿وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ   ]البقرة: من الآية 132[. وعندما خاطب القرآن الكريم بني إسرائيل ذكّرهم بوصيّة أبيهم الّتي لا تحمل البغض ولا الكراهية ولا العدوان ولا الجرائم ولا الإرهاب، ولا التّآمر وحبّ المال، ولا حبّ الدّنيا والمتاع. وهذا تذكير لبني إسرائيل بنعم الله عليهم، وقد فضّلهم بكثرة إرسال الأنبياء إليهم، لكنّهم جحدوا نعم الله عليهم فلعنهم الله: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ]المائدة[.

والقرآن الكريم يفسّر بعضه بعضاً، ولا يمكن تجزيء القرآن ولا فصل سورةٍ أو بترها عن غيرها. وقد تأتي كلمة التّفضيل بمعنى التّمحيص والمساءلة لهم أكثر من غيرهم بسبب النّعم الكثيرة الّتي خصّهم الله سبحانه وتعالىبها، فجحدوا هذه النّعم وقتلوا الأنبياء. ولن تستمرّ النّعمة مع الجحود عند أيّ شعبٍ من الشّعوب، أو فرد من الأفراد فالنّعمة مرهونة بالشّكر وبعدم الجحود.

ويخاطب الله تبارك وتعالى بني إسرائيل بتذكيرهم بآبائهم من الأنبياء، فيعقوب عليه السَّلام هو إسرائيل، وهو ابن إسحاق بن إبراهيم أبي الأنبياء الّذي أنجب إسماعيل من قبل إسحاق، ومن نسل إسماعيل عليه السَّلام كان نبيّنا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم، ويعقوب هو ابن إسحاق، والأسباط من أولاد يعقوب عليه السَّلام.

يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ: مر إعرابها الآية «40» .

وَأَنِّي: الواو حرف عطف، أن حرف مشبه بالفعل والياء اسمها، وأن وما بعدها معطوفان على نعمتي.

فَضَّلْتُكُمْ: فعل ماض وفاعل ومفعول به، والميم لجمع الذكور. والجملة خبر أني.

عَلَى الْعالَمِينَ: اسم مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع مذكر سالم والجار والمجرور متعلقان بفضلتكم.

اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ: بالشكر عليها بطاعتي

فَضَّلْتُكُمْ: أي آباءكم عَلَى الْعالَمِينَ عالمي زمانهم.

ثمَّ إنَّ عطف وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ.. على اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ من عطف الخاص على العام.