الآية رقم (19) - بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ

فقد كذّبوا من قبل بدعوة الرّسل، وإن اختلف الزّمان والمكان فهدفهم واحدٌ، فهم لا يزالون مستمرّين بالتّكذيب والعناد، لا تنفع فيهم الآيات ولا العظات.

الآية رقم (9) - الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

غلبة الله سبحانه وتعالى حقٌّ، وهي واضحةٌ ومُشاهدةٌ في مَلَكوت السّماوات والأرض، يشهد بها الكافر بالله سبحانه وتعالى والمؤمن.

﴿وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾: جاء المولى سبحانه وتعالى بهذا التّعبير في جملةٍ مستقلّةٍ عمّا قبلها، ولم يذكر الضّمير حتّى لا يحتاج إلى مرجعٍ، فلم يقل: (وهو على كلّ شيءٍ شهيدٍ)، وقد جاء في صدر السّورة: ﴿وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾، وهنا جاء ما يُناسب هذا القول بأنّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ، فعليكم أن تنتبهوا أيّها الطّغاة، فكما شاهدتم منظر المؤمنين وأنتم تلقونهم في الأخدود اعلموا أنّه شهيدٌ على كلّ ما فعلتم.

﴿شَهِيدٌ﴾: على وزن فعيل، وهي من صيغ المبالغة، لها معنيان: المعنى الأوّل: شاهدٌ لا يغيب عنه شيءٌ، والثّاني: شاهدٌ لمن لا شهيد له من المظلومين الّذين تعرّضوا للظّلم الخفيّ، كأصحاب الأخدود الّذين أخفوا ظلمهم عن أعين النّاس فليحذروا عين الله جلَّ جلاله الشّاهد الّذي لا يغيب عنه شيءٌ.

الآية رقم (20) - وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ

﴿مُّحِيطٌ﴾: الله سبحانه وتعالى محيطٌ بهم الإحاطة الكاملة الّتي لا يستطيع أحدٌ أن يتخلّف ولا أن يفلت من عقابه جلَّ جلاله.

الآية رقم (10) - إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ

لا توجد عند الله سبحانه وتعالى  عداوةٌ دائمةٌ مهما فعل العبد، فهو خالق الأشياء والأفعال، لا تنفعه طاعةٌ ولا تضرّه معصيةٌ، يقبل توبة التّائبين ويغفر للمذنبين، ولو أغلَق باب التّوبة في وجوه النّاس لتمادوا في المعاصي والجرائم، وفقدوا الأمل في النّجاة، حتّى الطّغاة فتح لهم باب التّوبة بعد أن فتنوا المؤمنين والمؤمنات؛ لأنّه سبحانه وتعالى  لا يريد استمرار الظّلم والكفر والطّغيان، فالتّوبة تجبّ ما قبلها، ولنتأمّل هنا دقّة الأداء القرآنيّ في قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾، فالحريق لونٌ من ألوان العذاب في جهنّم، لكنّه سبحانه وتعالى خصّه بالذّكر ليكون مقابل النّار الّتي أشعلوها بالأخدود وألقوا فيها المؤمنين، والجزاء من جنس العمل، وإن كانت هذه الآيات نزلت في أصحاب الأخدود فالله سبحانه وتعالى أخبر أنّهم لم يتوبوا وماتوا على ذلك، وكأنّ هذه الآية تلميحٌ للمعاصرين لسيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقضيّة حقٍّ يطلقها الله سبحانه وتعالى في كلّ زمانٍ ومكانٍ قضيّةً إيمانيّةً، وقانوناً إلهيّاً.

الآية رقم (21) - بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ

﴿قُرْآنٌ مَّجِيدٌ﴾: دلّ ذلك على أنّ التّكذيب كان في القرآن الكريم وفيما يحدّث عنه لكونه من عند الله سبحانه وتعالى، والقرآن الكريم هو الحقّ والصّدق وسيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صادقٌ في البلاغ عن الله عزَّ وجل.

الآية رقم (11) - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: فلا يمكن أن يُذكَر الإيمان في كتاب الله سبحانه وتعالى إلّا ويُذكَر إلى جانبه العمل الصّالح.

﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾: هذه صفة الجنّات الّتي وُعِدوا بها.

﴿ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾: الفوز: هو نصرٌ وغلبةٌ، فالفوز الكبير يكون من نصيب المؤمنين الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران: من الآية 185]، وتكون منازلهم في الجنّة على قدر ما تعرّضوا إليه في الدّنيا، فهناك فوزٌ، وهناك فوزٌ كبيرٌ، وفوزٌ أكبر؛ وهو ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التّوبة: من الآية 72].

الآية رقم (22) - فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ

وهذا القرآن الكريم يتميّز عن غيره من الكتب بأنّه محفوظٌ، قال سبحانه وتعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾ [الحجر]، ولنتأمّل الدّقّة في التّعبير عن حفظه، فالمحفوظ هنا ليس القرآن الكريم، بل اللّوح الّذي حمله، فكيف بالقرآن الكريم ذاته؟! وذلك ليطمئن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على مستقبل دعوته وكتابنا العظيم، وكأنّ الحقّ سبحانه وتعالى يقول: يا محمّد، لا تحزن، واصبر على تكذيب قومك، فهذا الكتاب محفوظٌ لن تمسّه يدٌ ولا تحريفٌ، لا في الملأ الأعلى ولا على الأرض، فما أعظم قرآناً قال عنه الله سبحانه وتعالى: بأنّ لوحَه محفوظٌ وليس هو فقط.

الآية رقم (12) - إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ

الآيات هنا تحدّثنا عن قضيّةٍ عامّةٍ لها صفة الدّيمومة، فالله سبحانه وتعالى ذو بطشٍ وقوّةٍ مع أصحاب الأخدود وغيرهم في كلّ زمانٍ ومكانٍ، والخطاب لمن يقف في وجه سيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فهذا التّهديد بالبطش للخارجين عن طاعته صلَّى الله عليه وسلَّم.

﴿بَطْشَ﴾: البطش: الأخذ بقوّةٍ وعنفٍ.

فبطشه شديدٌ؛ لأنّه سبحانه وتعالى له القوّة المطلقة الّتي لا تفوقها قوّةٌ، ولا يوجد من الله سبحانه وتعالى نصيرٌ، فإذا أخذَ فإنّ أخذه سبحانه وتعالى يكون أليماً وشديداً.

الآية رقم (13) - إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ

قوسا الوجود البدء والإعادة بيده سبحانه وتعالى.

الآية رقم (14) - وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ

الغفور للمذنبين، الودود للطّائعين المحبّين، وكلتا الصّفتين تجعل الإنسان يؤمن بهذا الإله ويعشق الإيمان به.

﴿الْغَفُورُ﴾: صيغة مبالغةٍ من غافر، والمبالغة في صفةٍ من صفات الله تعالى يجب أن نفهمها على حقيقتها؛ لأنّها تكون في صفات الحوادث، فالصّفة بالنّسبة للإنسان تكون حسب أحواله فتقلّ مرّةً وتكثُر مرّةً، أمّا بالنّسبة لله سبحانه وتعالى فصفاته ثابتةٌ، وحينما نقول: غفورٌ أو غفّارٌ فهي مُبالغةٌ في المتعلَّق؛ أي كثرة من يتعلّق بهذه المغفرة؛ لأنّ صفات الله تبارك وتعالى كاملة.

الآية رقم (15) - ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ

﴿ذُو الْعَرْشِ﴾: كلّ ما هو غيبيٌّ علينا أن نؤمن به كما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى، فعندما يُذكَر العرش والكرسيّ والميزان واللّوح المحفوظ.. هذه غيبيّاتٌ نعرفها في السّماء، وحجّتنا فيها الإيمان والسّماع ممّن نثق بصدقه ونؤمن به، فهي مسألة بلاغٍ عن الله عزَّ وجل، لذلك يجب علينا ألّا نبحث في كيفيّتها؛ لأنّها فوق إدراكنا، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا أنّ له عرشاً، لكن ما صفاته؟ ما كيفيّته؟ الله عزَّ وجل أعلم، وإدراك الأشياء ليس شرطاً في وجودها، فالمسألة تتعلّق بثقتك فيمن أخبرك والّذي أخبرنا هو الله سبحانه وتعالى ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، أمّا إذا كان لها نظيرٌ في الدّنيا فَخُذْ مُعطَيات النّظير وقِسْ عليه، وإن كنّا حتّى الآن مع تطوّر العلوم لا نستطيع أن نصف ماهيّة بعض الأشياء في حياتنا، كالكهرباء مثلاً، فكيف نطمع بوصف مثل هذه الغيبيّات المتعلّقة بالله سبحانه وتعالى؟

﴿الْمَجِيدُ﴾: هو وصفٌ واسمٌ من أسماء الله سبحانه وتعالى، بمعنى الواسع، وينشأ من هذه الصّفة العظمة، فهو المستحقّ للتّعظيم والتّمجيد، والمجد: سِعَة الأوصاف وعظمتها.

الآية رقم (16) - فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ

الكافر إن تمكّن من المؤمن في الدّنيا وأفلت من العقوبة، فلن يُفلِت من عذاب الله سبحانه وتعالى في الآخرة. والله عزَّ وجل هو الوحيد الفعّال لما يريد؛ لأنّه يملك المستقبل والغيب.

الآية رقم (20) - فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

قضيّةٌ استفهاميّةٌ فيها معنى الإنكار والتّوبيخ، وذلك شائعٌ في أساليب القرآن الكريم، فعندما تقول: مالك لا تفعل ذلك؟ فكأنّ قياس العقل يقتضي أن تفعل ذلك، والعجب ألّا تفعل، فما لهم لا يُصدّقون بالله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله والبعث والحساب والجنّة والنّار؟

الآية رقم (6) - إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ

جلوسٌ حول النّار يتشفّون بإحراق المؤمنين.

الآية رقم (21) - وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ

﴿لَا يَسْجُدُونَ ۩﴾: السّجود معناه التّعظيم، وهنا يمثّل منتهى الخضوع لله سبحانه وتعالى ، والمقصود هو الخضوع للقرآن الكريم ولأوامره وتلاوته، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا﴾ [الإسراء]، وهنا يوجد سجود تلاوةٍ، فإذا جاءت آيةٌ فيها سجودٌ لا بدّ أن ننفعل ونسارع للسّجود، فكأنّ في آية سجود التّلاوة أمراً قويّاً وسرّاً عظيماً، وفيها طاقاتٌ جميلةٌ من نِعَم الله سبحانه وتعالى .

الآية رقم (7) - وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ

﴿شُهُودٌ﴾: بمعنى حضورٌ؛ أي يشهدون ذلك الفعل الشّنيع، من غير أن ترقّ قلوبهم لقسوتها.

الآية رقم (22) - بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ

﴿بَلِ﴾: للإضراب، فهي تنفي ما قبلها وتثبت ما بعدها.

﴿يُكَذِّبُونَ﴾: التّكذيب: هو إنكارٌ لقولٍ أو فعلٍ، فهم لم يكتفوا بترك الإيمان والقرآن والرّسول الكريم، بل أضافوا إليه الكذب.

الآية رقم (23) - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ

﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ﴾: وردت هذه العبارة في القرآن الكريم بآياتٍ كثيرةٍ، وهي صيغة تفضيلٍ؛ أي أكثر علماً منكم بحقائق الأشياء على ما هي عليه في حقيقة الأمر.

﴿بِمَا يُوعُونَ﴾: بما يخزّنونه من مكنوناتٍ في وعاء أنفسهم، والوعاء هو ما يستوعب الأشياء سواء كانت مادّيّةً كالشّراب أو الملابس كما ورد في قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ﴾ [يوسف: من الآية 76]، أم معنويّةً، فالقلب وعاءٌ للوجدانيّات والنّيات والضّمائر، فالله سبحانه وتعالى  أعلم بما يضمرون في قلوبهم.

الآية رقم (24) - فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

﴿فَبَشِّرْهُم﴾: بماذا يبشّر ويُنذر؟ الجواب: بعذابٍ، والتّبشير يكون للفعل الّذي يَسُرُّ الإنسان، لكنّ المولى سبحانه وتعالى يقول: (بشارتكم ستكون العذاب الأليم) -والعياذ بالله-.

الآية رقم (25) - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ

لا يوجد إيمانٌ إلّا مع عملٍ صالحٍ، ولا بدّ أن تنسجم حركة الحياة مع منهج الإيمان، فإذا ابتعدت حركة الحياة عن منهج الإيمان فحينئذٍ لا يكون اسمه إيماناً.

﴿الصَّالِحَات﴾: جمع صالحة، وهو الأمر المستقيم مع المنهج، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [هود: من الآية 112]، عكسها الفساد.

﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾: أي لهم أجرٌ غير مقطوعٍ ولا منقوصٍ.

فالله سبحانه وتعالى يوفّيهم هذا الأجر من غير حسابٍ، ولا يقطعه عنهم بل هو دائمٌ أبديٌّ.