الآية رقم (1) - إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ

﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾: استهلّ الحقّ سبحانه وتعالى سورة (القدر) بقوله جلَّ جلاله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ ، ولم يقل: (إنّي أنزلته)، عبّر بضمير الجماعة: ﴿إِنَّا﴾ الدّالّ على التّعظيم، وعندما نستعرض هذا الضّمير في كتاب الله سبحانه وتعالى  نجده في الأشياء الّتي تتطلّب جمع صفات الجلال وصفات الجمال، فحين يخلق الحقّ سبحانه وتعالى  خلقاً لا بدّ أن تتدّخل صفة العلم وصفة القدرة وصفة الحكمة وغيرها من صفات الله جلَّ جلاله الّتي تتكاتف بجلالها وجمالها في خلق هذا الشّيء، في مثل هذه الأشياء يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا﴾ ، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر]، لكن عندما يتحدّث المولى سبحانه وتعالى عن ذاته ويريد من العبد أن يتوجّه إليه لا يقول: (إنّنا نحن الله)، وإنّما يقول: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه]، فنلمح هنا في مسألة الأمر في العبادة ضمير القرب، أمّا عندما يعرض المولى سبحانه وتعالى إنعامه ونعمه علينا يأتي بضمير الجماعة، وإذا تأمّلنا قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ مادّة (نزل) في القرآن الكريم وردت في صيغٍ متعدّدةٍ من الاشتقاق، فمرّةً يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿نـزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ [الشّعراء]، ومرّةً بالتّضعيف ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَـزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [البقرة: من الآية 176]، ومرّةً متعدّيةً بالهمزة: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌّ﴾ [آل عمران: من الآية 7]، ومرّةً ﴿تتنزَّل﴾: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصّلت]

الآية رقم (2) - وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ

اللّغة لا تستطيع أن تستوعب قيمتها وقدرها، والمخاطب هنا هو الرّسول الكريم، وهو أعلم النّاس بهذه اللّغة، فالمعنى أنّ هذه اللّيلة شيءٌ فوق إدراك البشر، والله سبحانه وتعالى يقول لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ما لم نُعطِك معناه لا تصل إليه، فكلمة ﴿الْقَدْرِ﴾ تضمّنت معنىً فوق المدلول اللّفظيّ، لا تعطيه بذاتها، بدليل قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾، أمّا المعنى بشكل عامٍّ فليلة القدر: ليلة العظمة والشّرف والمنزلة العالية.

الآية رقم (3) - لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ

التّوقيت اليّوميّ بحسب حركة الشّمس، والتّوقيت الشّهريّ بحسب حركة القمر، فكلّ اثنتي عشرة دورةً للقمر تكون عاماً.

﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾: وبما أنّ الله سبحانه وتعالى قال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾  [البقرة: من الآية 185]، إذاً حدَّد مقام اللّيلة من الشّهر، فألف شهرٍ يأتي فيها ثلاثةٌ وثمانون رمضان، فالمعنى أنّ ليلة القدر خيرٌ من ألف شهرٍ ليس منها ليلة القدر، فهذا أمرٌ واضحٌ.

الآية رقم (4) - تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ

﴿تَنَزَّلُ﴾: أصل الكلمة (تتنزّل)، حُذفت التّاء تخفيفاً؛ أي تتنزّل الملائكة إلى الأرض، أو إلى السّماء الدّنيا.

﴿وَالرُّوح﴾: هو جبريل عليه السَّلام قال سبحانه وتعالى: ﴿نـزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ [الشّعراء].

هل العطف هنا يقتضي المغايرة؟ قال العلماء: لا، إنَّما هو من عطف الخاصّ على العامّ، فيكون كقوله سبحانه وتعالى: ﴿رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [نوح: من الآية 28]، فهو من عطف العامّ على الخاصّ.

﴿فِيهَا﴾: أي في وسطها، ففي ليلة القدر من كلّ عام تنزل الملائكة وجبريل عليه السَّلام في وسطها إلى أهل الأرض، إلى المساجد، إلى المصلّين، إلى القارئين للقرآن الكريم.

الآية رقم (5) - سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ

كلمة ﴿سَلَامٌ﴾ هنا كلمةٌ عامّةٌ شاملةٌ، فالسّلام في معناه العامّ: الأمن والاطمئنان والاستقرار، ويكون السّلام أوّلاً بين الإنسان وربّه عزَّ وجل، وبينه وبين ملَكَات نفسه المختلفة، ويكون مع المجتمع الّذي يعيش فيه، وأيضاً الملائكة عندما ينزلون في ليلة القدر ينزلون للتّسليم على المؤمنين، وهذا التّشريف العظيم لرسالة النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بنزول القرآن بهذه اللّيلة الّتي تفضّل بها الله سبحانه وتعالى على الخلق جميعاً، وهي خيرٌ من ألف شهرٍ، فبذلك اختصرت ثلاثةً وثمانين عاماً.