الآية رقم (1) - أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ

﴿أَلَمْ﴾: استفهامٌ، وغرض الاستفهام أن تستخرج الجواب ممّن تسأله.

﴿نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾: شرح الصّدر هو فتحه بإذهاب ما يصدّ عن الإدراك، وما يدخل فيه من شواغل وهمومٍ وآلامٍ، وملؤه بالحكمة والعلم، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنّ النّور إذا دخل الصّدر انفسح»، فقيل: يا رسول الله، هل لذلك من علمٍ يُعرَف، قال: «نعم، التّجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله»([1]).

 


([1]) شعب الإيمان: الحادي والسّبعون من شعب الإيمان، وهو بابٌ في الزّهد وقصر الأمل، الحديث رقم (10552).

الآية رقم (2) - وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ

﴿وِزْرَكَ﴾: الوزر: هو الحمل الثّقيل الّذي كان يحمله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من أعباء الدّعوة، وممّا فعله المشركون به ومن الآلام والحصار وقتل أصحابه والهجرة وغيرها.

﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ﴾: أي خفّفنا عليك ما حملت من أمر النّبوّة والرّسالة.

الآية رقم (3) - الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ

﴿أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾: أي أثقل ظهرك، ومنها أيضاً ثقل وشدّة الوحي على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عندما كان ينزل عليه، فالظّهر إذا أثقله الحمل سُمِعَ له نقيضٌ؛ أي صوتٌ خفيٌّ، وذكر الله سبحانه وتعالى الظّهر؛ لأنّ أغلب الأحمال تكون عليه.

الآية رقم (4) - وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ

هذه السّورة نزلت في مكّة، فأيّ ذكرٍ هذا الّذي رفعه الله سبحانه وتعالى له، وهو لم يكن يستطيع الصّلاة عند الكعبة، وهو في مكّة مُحَاصَرٌ مُطَاردٌ؟ الجواب: هذا من إعجاز القرآن الكريم، فالأذان لم يُفرض ولم يصبح واجباً في مكّة وإنّما في المدينة، فقد قرن الله سبحانه وتعالى  اسمه العظيم باسم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فنقول في الأذان: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وفي كلّ أذانٍ وإقامةٍ وفي التّشهّد ويوم الجمعة وعلى المنابر وفي الأعياد ويوم عرفة وأيّام التّشريق وعند الجمار وعلى الصّفا والمروة وفي كلّ موضعٍ وبيتٍ وموطنٍ نصلّي على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ويُرفَع اسمه صلَّى الله عليه وسلَّم على مدار الزّمان والمكان، ومن رفع الله سبحانه وتعالى  ذكره فلن يستطّيع بشرٌ أن يمنعه.

الآية رقم (5-6) - فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا - إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا

هذا الدّين دين يُسرٍ، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «يسّروا ولا تُعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا»([1])، والعسر المذكور في الآيتين هو عسرٌ واحدٌ؛ لأنّه مُعرّفٌ في الحالتين لذلك فهو مفردٌ، أمّا اليُسر فجاء نكرةً، فهو اثنان، ولن يغلب عُسرٌ يُسرَين، فمهما اشتدّ العُسر فالمخرج منه قريبٌ ويسيرٌ، ومهما ضاقت حلقات الضّيق وأظلمت الدّنيا، فلا بدّ من ضوء نهارٍ يبدّد الظّلام:

ضاقت فَلمّا استَحكَمَت حلقاتُها    فُـرجَــــــت وكنــتُ أظنُّــــها لا تُفـــــــرَجُ

قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: “لو دخل العُسر جُحراً لدخل اليُسر حتّى يُخرِجَه فيغلبه، فلا ينتظر الفقير إلّا اليُسر، ولا المبتلى إلّا العافية”.

﴿مَعَ﴾: إشعارٌ بسرعة مجيء اليُسر، كأنّه مُقارِنٌ للعُسر.

 


([1]) صحيح البخاريّ: كتاب العلم، باب ما كان النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتخوّلهم بالموعظة والعلم، الحديث رقم (69).

الآية رقم (7-8) - فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ - وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ

﴿فَرَغْتَ﴾: الفراغ: الانتهاء من أمرٍ ما.

﴿فَانصَبْ﴾: النّصب: التّعب.

إذا فرغت من الصّلاة فاجتهد في الوقوف بين يدَي الله سبحانه وتعالى  بالتّطوّع والذّكر والدّعاء؛ لأنّ الصّلاة لم تكن قد فُرضت بعد، وقد فُرضت في رحلة الإسراء والمعراج في آخر المرحلة المكّيّة قبل الهجرة إلى المدينة، لقد حمّل الحقّ سبحانه وتعالى  الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم مهمّة الرّسالة وتبليغها إلى عشيرته وإلى أهل مكّة والعالم أجمع، وقد تحمّل صلَّى الله عليه وسلَّم في سبيل إبلاغ هذه الرّسالة كثيراً من المشقّات الّتي شغلته عمّا كان يمارسه من عباداتٍ في غار حراء، حيث نزل عليه جبريل عليه السَّلام  بالوحي، فأصبح في شغلٍ مع النّاس، وفي عناءٍ وشقاءٍ معهم، فإذا فرغت من كلّ هذا فانصب؛ أي قم منتصباً لله سبحانه وتعالى  قائماً، متفرّغاً لعبادته عزَّ وجل، وقد كان النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم اللّيل حتّى تتورّم قدماه، فقالت السّيّدة عائشة رضي الله عنها: لِـمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تَقدَّم من ذنبك وما تَأخَّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبداً شكوراً»([1])، وليس المقصود فقط أن يتعب، بل المقصود أن يجعل رغبته ونيّته لله سبحانه وتعالى ، يُقبِل عليه إقبالَ المحبِّ ويلحّ في الدّعاء.


([1]) صحيح البخاريّ: كتاب التّفسير، باب سورة الفتح، الحديث رقم (4557).