الآية رقم (21) - وَلَسَوْفَ يَرْضَى

﴿يَرْضَى﴾: الله سبحانه وتعالى  يرضى عن العبد الّذي يسير على منهجه، وعندما يرضى جلَّ جلاله عن العبد يعطيه زيادةً، فالله سبحانه وتعالى  شاكرٌ عليمٌ، ومن يتأمّل قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ يجد أنّ فاعل الفعل ﴿يَرْضَى﴾ قد يكون الله عزَّ وجل، فهو يرضى عن عباده الأتقياء الّذين لا يبتغون بفعل الخير إلّا رضاه، ويمكن أن يكون فاعل الفعل ﴿يَرْضَى﴾هو التّقيّ الّذي يرضى عن جزاء ربّه وثوابه وما يناله من الله تعالى؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التّوبة: من الآية 100]، فالله سبحانه وتعالى يرضى عنهم فيثيبهم الجزاء الأوفى.

الآية رقم (17) - وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى

أمّا الّذي سيُجنّب النّار فهو الأتقى؛ أي الأكثر تقوى لله سبحانه وتعالى، فلن يقرب النّار أبداً، ولن تمسّه وسيُبعَد عنها؛ لأنّه اجتنب المعاصي.

الآية رقم (18) - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى

فهو يُعطي مالَه بسخاءٍ من غير حسابٍ، يتصدّق على الفقراء والمحتاجين والمساكين، وبعض المفسّرين قالوا: المراد بسياق هذه الآية أبو بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه، فهو الأتقى عندما بذل مالَه كلّه ولم يُبقِ لنفسه شيئاً، فقال له النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ماذا أبقيت لنفسك؟»، قال رضي الله عنه: الله ورسوله([1])، لكنّ الآية عامّةٌ فليست العبرة بخصوص السّبب الّذي نزلت من أجله الآية، وإنّما بعموميّة المعنى، فكلّ من كان الأتقى سيُجنّب النّار، فترجمان الإيمان هو الإحسان للنّاس، فرسالة الإسلام لا يمكن أن تكون رسالة شقاءٍ ولا إرهابٍ ولا تطرّفٍ، بل هي رسالة توادٍّ وتراحمٍ وتعاطفٍ وخيرٍ وعطاءٍ.

 


([1]) شعب الإيمان: باب الدّعاء إلى الإسلام، الثّالث عشر من شعب الإيمان وهو باب التّوكّل بالله عزَّ وجلّ والتّسليم لأمره تعالى في كلّ شيءٍ، الحديث رقم (1298).

الآية رقم (19) - وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى

قال المفسِّرون: إنّها نزلت في الصّدّيق رضي الله عنه، كمثالٍ يعطيه الله سبحانه وتعالى لمن هم الأتقى، فإنّ أبا بكرٍ رضي الله عنه تزكّى بماله في كلّ ما فيه مصلحةٌ للمسلمين، وأوّل ما تزكّى به عتقه لبلال بن رباح رضي الله عنه الّذي كان يُعذَّب عذاباً شديداً قبل أن يشتريه أبو بكرٍ رضي الله عنه.

الآية رقم (20) - إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى

فالغاية النّهائيّة في كلّ إيمانٍ وفي كلّ عملٍ هي ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالى ورحمته، لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ﴾ [البقرة]، وقال جلَّ جلاله : ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّه وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة].

﴿وَجْهِ رَبِّهِ﴾: يُطلَق الوجهُ ويراد به الذّات.

إنّه يفعل ذلك طلباً لرضا ربّه، فيا أيّها المحسنون، أيّها الأغنياء، بادروا إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، فأحسنوا العطاء لكلّ محتاجٍ.

﴿الْأَعْلَى﴾: وَصَفَ سبحانه وتعالى نفسه بأنّه الأعلى؛ أي الأجلّ بصفاته، فهو الأقدر والأغلب والأظهر، وهو فوق خلقه، فهو العليّ الكبير.

الآية رقم (10) - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى

ومن يبخل بنفسه وماله ويستغني عن ربّه وهداه عزَّ وجل ويكذّب بدعوته ودينه ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾، هناك قال: (فسنيسره لليسرى) وهنا نيسّره للعسرى، إذاً في الحالتين هناك تيسيرٌ، وهذه أهمّ نقطةٍ، تسهيلٌ لما تريده أيّها الإنسان، سواءً صدّقت بالحسنى أم كذّبت بها، فسأدلّك على طريق الخير وعلى طريق الشّرّ، وأعطيك الفرصة تلو الأخرى لتتوبَ وتهتدي، فإن كذّبت واستغنيت وبخلت بعطاء الله سبحانه وتعالى  وبخلت على نفسك بالهدى فأنت وشأنك، وسنيُسّر لك ما أردت، وسنُسّهل عليك العمل بعمل أهل النّار ونخذلك ولا نوفّقك للطّاعة، فأنت مَن اختار، وقد روي عن الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه قال: كنّا في جنازةٍ في البقيع، فأتى النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فجلس وجلسنا معه، ومعه عودٌ ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السّماء فقال: «ما من نفسٍ منفوسةٍ إلّا قد كُتِبَ مَدخَلها»، فقال القوم: يا رسول الله، أفلا نتّكل على كتابنا، فمن كان من أهل السّعادة فإنّه يعمل للسّعادة، ومن كان من أهل الشّقاء فإنّه يعمل للشّقاء؟ قال: «بل اعملوا، فكلٌّ ميسّرٌ، أمّا مَن كان من أهل السّعادة فإنّه يُيَسّر لعمل السّعادة، وأمّا مَن كان من أهل الشّقاء فإنّه يُيَسّر لعمل الشّقاء»، ثمّ قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾»([1]).

 


([1]) سنن التّرمذيّ: تفسير القرآن، سورة واللّيل إذا يغشى، الحديث رقم (3344).

الآية رقم (11) - وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى

﴿تَرَدَّى﴾: أي سقط في النّار، والتّردّي في اللّغة: التّهوّر في مَهْواةٍ، ومنه قول الحقّ: (المترديّة): الّتي تقع من جبلٍ، أو تسقط في بئرٍ.

فإذا هلَك الإنسان وسقط في النّار فلن يُغني عنه ماله ولن ينقذه ممّا سقط فيه، لذلك يقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ _ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ _ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ _ مَا أَغْنَىٰ عَنِّي_ مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ [الحاقّة]، وفي سورة (المسد): ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾، فالأموال والأولاد وكلّ ما يملكه الإنسان لن تُغني أحداً يوم القيامة، ولن يستطيع أحدٌ شراء مكانٍ في الجنّة بمالٍ يملكه، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾ [آل عمران].

الآية رقم (1) - وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى

﴿يَغْشَى﴾: يُغَطِّي.

أي يغشى الأفق ما بين السّماء والأرض، فيُذهِب ضوء النّهار ويغطّي بظلمته كلّ شيءٍ.

الآية رقم (12) - إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى

فالحقّ سبحانه وتعالى حين خلق الإنسان أوضح له طريق الهداية: ﴿إنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد]؛ أي أوضح له طريق الحقّ وطريق الباطل، ولكن ما الّذي يتطلّبه الهدى؟ يتطلّب هادياً ومهديّاً وغايةً تريد تحقيقها، لذلك كان الضّالّ هو مَن ضلّ الطّريق فاتّخذ منهجاً غير منهج الهدى ومشى فيه بعيداً وعن دين الله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (2) - وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى

﴿تَجَلَّى﴾: بان وظهر.

تجلّى على الكون بنوره فأذهب ظلمة اللّيل، وأظهر ما أخفته الظّلمة من الأشياء والطّرقات وغيرها.

الآية رقم (13) - وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى

﴿وَإِنَّ لَنَا﴾: أي مرجعكم إلينا في نهاية المطاف، فاختاروا ما تشاؤون.

﴿لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى﴾: أي الدّارين، الدّنيا والآخرة، فالله سبحانه وتعالى كما له الآخرة له الدّنيا، فأين تذهبون؟

الآية رقم (3) - وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى

لقد أوجد الله سبحانه وتعالى الذّكر والأنثى، وإيّاك أن تظنّ أنّهما متعاندان، فقد جعلهما الله سبحانه وتعالى متكاملين لتنجح الحياة، ولكلٍّ منهما مهمّةٌ، وينتج الفساد من خلط هذه المهامّ.

الآية رقم (14) - فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى

﴿تَلَظَّى﴾: تتوقّد وتتوهّج.

إنّها نارٌ ذات زفراتٍ، فأحذّركم وأنذركم أن تقعوا فيما يوجب احتراقكم في هذه النّار المشتعلة.

الآية رقم (4) - إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى

﴿سَعْيَكُمْ﴾: عملكم.

﴿لَشَتَّى﴾: شتّى: جمع شَتيت؛ أي مختلفٌ متفرِّقٌ.

فكلٌّ له مهمّةٌ في الحياة، وعملٌ مختلفٌ باختلاف الغاية المقصودة.

الآية رقم (15) - لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى

﴿لَا يَصْلَاهَا﴾: لا يلازمها ويُقاسي شدّتها وحرارتها واشتعالها.

﴿إِلَّا الْأَشْقَى﴾: إلّا من كان شقيّاً في علم الله سبحانه وتعالى، وهو مَن كذّب بما جاء به النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكن لننتبه إلى أنّه سبحانه وتعالى لم يقل: (إلّا الشّقيّ)، وإلّا لدخل في الآية أصحاب الكبائر كما ظنّ المعتزلة، وإنما قال: ﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾؛ أي الأكثر شقاءً، وهم المكذّبون الكافرون المعرِضون عن الإيمان بالله سبحانه وتعالى. فالصّلي هو ملازمة النّار؛ أي الخلود فيها، أمّا أهل الكبائر فيدخلونها لتوفية ما ارتكبوه إلّا إنّهم قد يُخرَجون منها.

الآية رقم (5) - فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى

قرن الله سبحانه وتعالى هنا المال بالتّقوى، فالآية تتحدّث عمّن يبذل ماله من أجل تقواه وعقيدته الّتي تأمره بمساعدة المسكين وفكّ الأسير والعطف على اليتيم، كما فعل سيّدنا أبو بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه حين بذل ماله لإطلاق سراح بلال بن رباح رضي الله عنه، فاشتراه من سيّده أميّة بن خلف الّذي كان يعذّبه عذاباً شديداً، وأعتقه، وهذا سببٌ من أسباب النّزول الّتي وردت في التّفاسير السّابقة.

الآية رقم (16) - الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى

أي كذّب بما جاء به النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتولّى عنه، وأعرض عن الإيمان وعن طاعة الله سبحانه وتعالى واستحوذ عليه الشّيطان.

الآية رقم (6) - وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى

﴿بِالْحُسْنَى﴾: الحسنى: أي الجنّة، وكلمة الحسنى من أسماء التّفضيل في اللّغة العربيّة، مثل فُضلى، كبرى.

أي صدّق بوعد الله سبحانه وتعالى للمتّقين، قال جل وعلا: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التّوبة]، والوعد بشارةٌ بخيرٍ مستقبليّ، فالله سبحانه وتعالى وعد من يلتزم بمنهجه سبحانه وتعالى الحُسنى وهي الجنّة، أمّا الزّيادة فقد قال المفسّرون: إنّها رؤية الـمُحسن؛ أي رؤية الله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (7) - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى

أي سنهيّئه لعمل الخير بما يرضاه الله سبحانه وتعالى، كالإنفاق في وجوه الخير، والعمل بالطّاعة.

﴿لِلْيُسْرَى﴾: اليسرى: هي الحسنة المرضيّة في الدّنيا، المقبولة في الآخرة.

الآية رقم (8) - وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى

أي بخل بالنّفقة في الخير والصّدقة على الفقراء والأيتام والمساكين.

﴿وَاسْتَغْنَى﴾: استغنى في نفسه عمّا عند الله سبحانه وتعالى، واستغنى بشهوات الدّنيا عن نعيم الجنّة، والبخل هنا ليس مجرّد ضنٍّ بالعطاء، وإنّما أيضاً استغناءٌ عن الله سبحانه وتعالى وعن ثوابه.