الآية رقم (24) - يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي

إنّه يتمنّى لو كان قد قدّم لحياته الأخرويّة، وهي الحياة الحقيقيّة، الخير والعمل الصّالح في حياته الفانية.

﴿يَا لَيْتَنِي﴾: (يا): وكأنّه ينادي، فعزَّ الـمُنادَى المطلوب، (ليتني): تمنّي، والتّمنّي هو طلب أمرٍ محبوبٍ لا سبيل إلى حصوله، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: من الآية 64]،  فالدّار الآخرة هي الّتي تستحقّ أن توصَف بالحيوان؛ لأنّها الأبديّة.

الآية رقم (25) - فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ - وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ

فيومئذٍ لا يُعذِّب الله سبحانه وتعالى أحداً من الخلق كهذا العذاب.

﴿وَثَاقَهُ﴾: الوِثاق: بالكسر اسم الشّيء الّذي يُوثق ويُربط به، فإنّه يكون في رباطٍ ووثاقٍ شديدٍ في هذا اليوم، فلا سبيل للإفلات والهرب.

الآية رقم (27) - يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

﴿النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾: الّتي تطمئنّ إلى منهج الله سبحانه وتعالى، وإذا وُجدت هذه النّفس مع النّفس اللّوّامة في المجتمع فإنّ هذه النّفس المطمئنّة تؤثّر؛ لأنّها طائعةٌ لله عزَّ وجل، وفي حالةٍ واحدةٍ من الرّضا بما قسم الله سبحانه وتعالى لها، فهي في السّرّاء شاكرةٌ حامدةٌ، وفي الضّرّاء صابرةٌ راضيةٌ، فلا الغنى يُطغيها ويخرج بها عن طريق الاستقامة، ولا الفقر يسخطها.

الآية رقم (28) - ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً

يا أيّتها النّفس الآمنة المطمئنّة الّتي اطمأنّت بذكر الله عزَّ وجل وطاعته وخشيته فلا يستفزّها خوفٌ ولا حزنٌ، ارجعي إلى ثواب ربّك ووعده وكرامته، راضيةً بما أعطاك مرضيّةً عند ربّك.

الآية رقم (29) - فَادْخُلِي فِي عِبَادِي

﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾: ادخلي في عبادي الصّالحين، الّذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. قال عبد الله بن عمرو: “فإذا توفّى اللهُ العبدَ المؤمن أرسل إليه مَلَكين بخرقةٍ من الجنّة وريحانٍ من ريحان الجنّة فقال: أيّتها النّفس المطمئنّة، اخرجي إلى روحٍ وريحانٍ وربٍّ غير غضبان، اخرجي فَنِعْمَ ما قدَّمتِ، فتخرج كأطيب رائحة مسكٍ وجدها أحدكم بأنفه، وعلى أرجاء السّماء ملائكةٌ يقولون: سبحان الله، لقد جاء من الأرض اليوم روحٌ طيّبةٌ، فلا يمرّ ببابٍ إلّا فُتِحَ له، ولا مَلَكٍ إلّا صلّى عليه، ويشفع حتّى يؤتى به إلى الله عزَّ وجل فتسجد الملائكةُ قبلَه، ثمّ يقولون: ربّنا هذا عبدُك فلانٌ، توفّيناه وأنت أعلم به، فيقول: مروه بالسّجود، فيسجد النّسَمة ثمّ يُدعَى ميكائيل فيُقَال: اجعل هذه النّسمة مع أنفس المؤمنين حتّى أسألك عنها يوم القيامة”([1]).

 


([1]) مجمع الزّوائد ومنبع الفوائد: المجلّد الثّالث، ص5، الحديث رقم (3932).

الآية رقم (30) - وَادْخُلِي جَنَّتِي

ادخلي جنّتي الّتي أعددتّها لعبادي الصّالحين.

 

الآية رقم (19) - وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا

﴿التُّرَاثَ﴾: الميراث.

﴿لَّمًّا﴾: شديداً، وأصل اللّمّ في كلام العرب: الجمع، يُقال: لَـمَمْتُ الشّيء لـمّاً: إذا جمعته.

﴿أَكْلًا لَّمًّا﴾: يأكل كلّ شيءٍ يجده، لا يسأل عنه أحلالٌ هو أم حرامٌ، ويأكل الّذي له ولغيره، وذلك أنّهم كانوا لا يورِّثون النّساء ولا الصّبيان.

أكْلُ الميراث آفةٌ منتشرةٌ حتّى الآن بكثيرٍ من مُجتمعاتِنا، فمن جمع أمواله من أكل الميراث كان هذا المال ابتلاءً وإهانةً له، ولا يُنتظر منه أن يُنفقه في الحلال، فقد أخذ حقّه وحقوق أهله وإخوته ولم يفرّق بين ما هو حلالٌ أو حرامٌ، فالّذين حُرموا من المال أفضل من الّذين أُعطوا المال فكان سبباً في هلاكهم، فربّما يكون الحرمان هو عين الإكرام، لذلك علينا أن نصحّح نظرتنا للمال كما صحّحها لنا ربّنا سبحانه وتعالى لنسير في هذه الحياة على هدىً.

الآية رقم (20) - وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا

﴿جَمًّا﴾: كثيراً، هذه حقيقةٌ جُبِلَ عليها الإنسان، قال سبحانه وتعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: من الآية 46]، غريزة حبّ المال طبيعةٌ مركوزةٌ في النّفس البشريّة، لذلك نجد أنّ المال هو العنصر الأوّل في اهتمام النّاس، حتّى عند المقارنة لا ينظرون إلّا إليه، فيقولون هذا غنيٌّ وهذا فقيرٌ، وقلّما يفطنون إلى غيره من النّعم، فالأخلاق نعمةٌ، والطّعام نعمةٌ، والسّعادة نعمةٌ، والأمان نعمةٌ، والعافية نعمةٌ، والأولاد نعمةٌ.. إذاً لا ينبغي أن ننظر إلى زاويةٍ واحدةٍ ونترك باقي الزّوايا، يقول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «يقول ابن آدم: مالي مالي»، قال: «وهل لك يا ابن آدم من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدَّقت فأمضيت؟»([1])، هذا الحديث النّبويّ يُعطي المفهوم الحقيقيّ للمال، فهو يبقى في حالةٍ واحدةٍ، إذا تصدّقت به وعملت الخير للغير، لذلك يقول سبحانه وتعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ﴾ [البقرة: من الآية 177]، فلو استطاع الإنسان أن يُغيّر مفهومه للمال لتغيّرت حركة الإنسان في الحياة.

 


([1]) صحيح مسلم: كتاب الزّهد والرّقائق، الحديث رقم (2958).

الآية رقم (21) - كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا

﴿دُكَّتِ﴾: الدّكّ: هو الهدم والتَّسوية للشّيء الـمُرتَفع، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا﴾ [الأعراف: من الآية 143].

﴿دَكًّا دَكًّا﴾: أي تفتّتت تفتُّتاً، الدّكّة الثّانية تأكيدٌ للدّكّة الأولى وبيانٌ لشدّة الدّكّ والتّفتيت.

أي زُلزِلَت الأرض حتّى يتهدَّم كلّ بناءٍ عليها وينعدم، دكّاً بعد دكٍّ حتّى صارت الجبال والتِّلال هباءً مُنبثّاً، وأرضاً مستويةً.

الآية رقم (22) - وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا

أي صفوفاً منتظمةً، تأتي الملائكة وراء بعضها، هذا المنظر فوق خيال البشر، ومجيء الله سبحانه وتعالى ليس كمجيء البشر، وإنّما نأخذه في إطار قوله سبحانه وتعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [الشّورى: من الآية 11]، والصّفات المتعلّقة به سبحانه وتعالى  كلّها ليست كصفات البشر.

الآية رقم (23) - وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى

﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾: قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «يؤتى بجهنّم يومئذٍ لها سبعون ألف زمامٍ، مع كلّ زمامٍ سبعون ألف مَلَكٍ يجرّونها»([1])، وعن عليّ كرّم الله وجهه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «هل تدرون ما تفسير هذه الآية: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾؟ قال: «إذا كان يوم القيامة تُقاد جهنّم بسبعين ألف زمامٍ بيد سبعين ألف مَلَكٍ، فتشرد شردةً لولا أنّ الله حبسها لأحرقت السّماوات والأرض»([2]).

﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُٰ﴾: يتذكّر الإنسان حينها الحقّ ويتّعظ لما يرى ولكن فات الأوان للذّكرى لذلك قال سبحانه وتعالى:

﴿وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ﴾: لقد مضى عهد الذّكرى فما عادت تُجدي في دار الجزاء أحداً، فهو حينها يتذكّر ما قدّم وأخّر ويعلم أنّه مؤاخذٌ على كلّ ما ضيّع من حقوقٍ، وبخل به من طعامٍ، وما تفيد التّوبة فقد فات أوانها.

 


([1]) سنن التّرمذيّ: كتاب صفة جهنّم، باب صفة النّار، الحديث رقم (2573).
([2]) كنز العمّال: كتاب التّفسير، باب سورة الفجر، الحديث رقم (4704).

الآية رقم (11) - الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ

الآية هنا تُعالج الخطأ في معايير النّاس في استقبالهم أوامر الله عزَّ وجل، فهم أخذوا أوامره سبحانه وتعالى وأنكروها وفعلوا عكسها، فأكثروا الطّغيان نتيجة هذا البنيان المادّيّ الهائل.

ذكر آفةً واحدةً لهؤلاء الأقوام، وهي أنّهم طغوا في البلاد، فلم يعب المولى سبحانه وتعالى عليهم التّشييد والبناء والحضارة، بل عاب عليهم الطّغيان والغرور بالتّفوّق المادّي في الحياة، فقد سمح المولى سبحانه وتعالى أن نأخذ بأسباب الرّقيّ والتّقدّم وأن نستنبط من أسرار الوجود ما يجعلنا في رخاءٍ ونعمةٍ ورفاهيةٍ، ولكن في حدود ما أحلّه سبحانه وتعالى.

الآية رقم (12) - فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ

وكأنّ الفساد مرتبطٌ بالطّغيان، والله سبحانه وتعالى لا يرضى بالفساد، قال جلَّ جلاله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: من الآية 77]،  ولا بدّ أن يضع له حدّاً حتّى لا يستشري في الكون.

الآية رقم (2) - وَلَيَالٍ عَشْرٍ

وللمفسِّرين فيها أقوالٌ، ولكن أصحّ ما ورد فيها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّها عشر ذي الحجّة، ولكن ما هي أهمّيتها حتّى أقسم الله سبحانه وتعالى بها؟ قالوا: لأنّ المسلم يستكمل فيها منهج ربّه التّكليفيّ حين يؤدّي فريضة الحجّ، وهي الرّكن الخامس والخاتم لأركان الإسلام. ففي هذه العشر يحتشد النّاس ويجتمعون من كلّ حدبٍ وصوبٍ لأداء هذه الفريضة، فكأنّ الإسلام بهذا الاحتشاد قد استوفى جميع أركانه.

الآية رقم (13) - فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ

عندما يحدّثنا القرآن الكريم عن معنىً فإنّه يعطيه شموليّةً في التّعبير والعطاء فيقول: ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ _ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾، كلمة الطّغيان تعني مجاوزة الحدّ، وللأشياء مقادير، فإذا زادت عن حدّها كانت طغياناً، فلا يمكن أن يوجد الظّالم إلّا وُجد معه مظلومٌ، ولا يوجد مُستغِلٌّ ومُستَعلٍ إلّا ووُجِد مُستَغَلٌّ ومُستعلىً عليه، فالطّغيان لونٌ من ألوان الفساد المركّب؛ لأنّه لو تُرك الضّعيف بضعفه من غير أن تمدّ له يد العون لكان هذا ظلمٌ وتجاوزٌ، فعندما بلغت تلك الأمم من العتوّ والطّغيان والفساد ما هو موجبٌ لهلاكهم أرسل الله عزَّ وجل عليهم عذاباً عظيماً وأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر

الآية رقم (3) - وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ

﴿وَالشَّفْعِ﴾: الزّوج.

﴿وَالْوَتْرِ﴾: الفرد.

وقد بيّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنّ الصّلاة منها الشّفع ومنها الوتر، فصلاة الظّهر مثلاً شفعٌ وصلاة المغرب وترٌ.

والـمُراد: الأشياء كلّها شَفعها ووَترها.

الآية رقم (14) - إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ

أي يعلم تصرّفاتهم وتحرّكاتهم ويرصدها ويجازيهم بها؛ لأنّه سبحانه وتعالى مطَّلعٌ على خلقه لا يخفى عليه شيءٌ منهم، ولا يعزب عنه مثقال ذرّةٍ في السّماوات ولا في الأرض، فكلّ حركةٍ محسوبة مقدّرة فإن شاء الله سبحانه وتعالى عجّل العقوبة في الدّنيا، وإن شاء أخّرها إلى الآخرة.

الآية رقم (4) - وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ

﴿إِذَا يَسْرِ﴾: ينقضي ويذهب.

اللّيل آيةٌ من آيات الخلق، والأسلوب القرآنيّ يشخّص المعاني ويجعلها ككائنٍ حيٍّ يتحرّك ليؤدّي المهمّة.

هذه هي الأقسام الّتي استهلّت بها السّورة.

الآية رقم (15-16) - فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ - وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ

أتى بصورتين من صور الحياة، صورة الإنسان الّذي وسّع الله سبحانه وتعالى  عليه في رزقه فظنّ أنّه خيرٌ له فيقول: ﴿رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾، وصورة الإنسان الّذي ضيّق الله سبحانه وتعالى  عليه رزقه فظنّ أنّه شرٌّ فيقول: ﴿رَبِّي أَهَانَنِ﴾، والحقّ سبحانه وتعالى  يصحّح لنا المفاهيم الخاطئة فيقول لنا: ليس توسيع الرّزق وزيادة المال دليل إكرامٍ وليس التّضييق على الإنسان دليل إهانةٍ، لذلك قال سبحانه وتعالى بعدها: ﴿ كَلَّا﴾؛ لأنّك بهذا الفهم الخاطئ خلطت بين أمرين، بين الامتحان والنّتيجة، فالامتحان شيءٌ وهو امتحان الحياة والنّتيجة شيءٌ آخر، فإعطاء المال وتوسيع الرّزق امتحانٌ، وتضييق الرّزق وقلّة المال امتحانٌ، فهما في كفّة الميزان متساويان، لا يفضُل أحدهما على الآخر إلّا بعد النّظر إلى النّتيجة، فالإكرام والإهانة مرتبطان بتصرّفاتك ومدى نجاحك في الامتحان، وإذا تأمّلنا هذه الآيات الكريمة نجد أنّ الأمرين ابتلاءٌ، يبتلي العبد بسعة الرّزق وكثرة المال، ويبتليه بتضييق الرّزق وقلّة المال.

الآية رقم (5) - هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ

هذا استفهامٌ وليس جواب القسم.

هنا استفهامٌ تقريريٌّ يؤكّد القضيّة المطروحة، وهو أقوى في العرض من الإخبار عنها، فالحقّ يطرح القضيّة بالاستفهام التّقريريّ؛ لأنّه تعالى واثقٌ من أنّ العقل والفطرة لا يجيبان إلّا بما يؤيّد مراده سبحانه وتعالى، ولا بدّ أن يقول في الجواب: نعم، في ذلك قسمٌ لذي حِجْر، فالاستفهام جعل المخاطَب يقرّ بالقضيّة بدلاً من إخباره بها، وهذا أوثق من جواب القَسَم.

﴿حِجْرٍ﴾: معناها: عقلٌ متدبّرٌ، وسمّي بذلك؛ لأنّه يحجر صاحبه ويمنعه عن الخطأ، وهذه هي مهمّة العقل، يقيّد الإنسان عن الشّرّ، ومنها عقلتُ البعير؛ أي قيّدته حتّى لا ينفلت منه، فالعقل هو الّذي يعقل حركة الإنسان بحيث لا تكون إلّا بالخير ولا تنتهي إلّا إلى السّعادة وتحقيق النّفع، والله جعل العقل في الإنسان ليحجر الغرائز ويعقلها عن التّعدّي، ويرتقي بها إلى ما أراده الخالق سبحانه وتعالى للإنسان، ويساعده في هذه المهمّة الشّرائع والتّكاليف الّتي فرضها الله سبحانه وتعالى على الإنسان، وربّ سائلٍ يسـأل: لماذا ركّب الله سبحانه وتعالى  هذه الغرائز في الإنسان؟ نقول: لأنّ لها مهمّةً جوهريّةً في حياته لذلك جعلها الله سبحانه وتعالى  غريزةً مركوزةً في طبيعته، لكنّ هذه الغريزة يجب أن تقف عند ما خُلقت لأجله، مثلاً غريزة حبّ الطّعام جُعلت لاستبقاء الحياة، غريزة الجنس جُعلت لبقاء النّوع، غريزة حبّ الاستطلاع جعلت لتحملك على البحث والاستقصاء.. وهكذا فالغرائز تُضبط بالعقول.

والآيات القرآنيّة كلّها تخاطب العقول البشريّة.