الآية رقم (17-18) - كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ - وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ

﴿كَلَّا﴾: للرّدع والزّجر، صحّح للطّرفين هذا المفهوم الخاطئ، فليس سعة الرّزق دليل إكرامٍ، وليست قلّة الرّزق دليل إهانةٍ.

﴿بَل﴾: للإضراب، جاء مباشرة إلى جانب الإنفاق والصّرف؛ لأنّه الأهمّ، فكأنّه سبحانه وتعالى يخاطب من يزعم أنّ الإكرام بكثرة المال، فيقول له: هل أدّيت حقّ المال الّذي أكرمتك به؟ هل عطفت على اليتيم؟ هل أطعمت المسكين؟ جاء المولى سبحانه وتعالى بصورتين من صور البؤس والشّقاء الّتي فرض على أصحاب الأموال أن يمحوها من الحياة، لذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «خير بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيمٌ يُحسَن إليه، وشرّ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيمٌ يُسَاء إليه، أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا»، وأشار بالسّبابة والوسطى([1]). فإذاً ليس الإكرام بإعطاء المال، بل الإكرام بأن تُنفق المال فيما أمر الله سبحانه وتعالى من إطعام اليتيم والمسكين.

﴿وَلَا تَحَاضُّونَ﴾: أي لا يحثّ بعضكم بعضاً.

 


([1]) كنز العمّال: ج3، الحديث رقم (5994)، كافل اليتيم: الّذي يُنفق عليه.

الآية رقم (6) - أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ

هنا يقصّ علينا الحقّ سبحانه وتعالى  طرفاً من قصص الأمم الّتي أهلكها، وقد حدّثنا سبحانه وتعالى  في السّورة السّابقة عن الغاشية وأهوالها، وكيف تكتنف النّاس وتعمّهم فلا يفرّ منها أحدٌ، وهنالك لونٌ من ألوان العذاب مُعجّلٌ في الدّنيا قبل الآخرة، حتّى لا يستشري الطّغيان ولا ينتشر الفساد فتشقى به العباد والبلاد، وقد ذكر سبحانه وتعالى  نماذج ممّن عجّل لهم العذاب في الدّنيا، كقوم عاد وثمود وفرعون مُخاطِباً نبيّه الكريم محمّداً صلَّى الله عليه وسلَّم: ألم تر يا محمّد ما حدث لهؤلاء، وهم أصحاب تاريخٍ معروفٍ وامتدادٍ عمرانيٍّ وحضاريٍّ ملأ الدّنيا، لكنّ ذلك لم يعصمهم من عذاب الله سبحانه وتعالى، فأخذهم سبحانه وتعالى  فأصبحوا أثراً بعد عين.

﴿أَلَمْ تَرَ﴾؛ أي: ألم تعلم، لكن الحقّ سبحانه وتعالى قال: ﴿أَلَمْ تَرَ

ليؤكِّد لرسوله هذه الأخبار، ويلفت نظره وأنظارنا إلى أنّ الحقّ سبحانه وتعالى إذا أخبرنا بشيءٍ فلنعلم أنّ إخباره أوثق ممّا تراه العين؛ لأنّ العين قد تخدع، ولكنّ الله جلَّ جلاله لا يخدع، وإخبار الله سبحانه وتعالى عن أمرٍ غيبيٍّ يجب أن يرتقي إلى مستوى ما تراه العين، وليس مع العين أين

الآية رقم (7) - إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ

﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾: فيها أعمدةٌ كثيرةٌ، أو تشبيهاً لأجسامهم بالأعمدة فقد كانوا طوال القامة.

الآية رقم (8) - الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ

لم يُخَلق مثل تلك القبيلة في زمانهم، حيث كانوا أصحاب قوّةٍ وشدّةٍ، أشادوا حضارةً راقيةً.

الآية رقم (9) - وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ

﴿جَابُوا﴾: أي قطعوا.

نحتوا الصّخر وجعلوا منه بيوتاً وقصوراً داخل الجبال، وهذا يدلّ على تقدّم حضارتهم.

الآية رقم (10) - وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ

﴿الْأَوْتَادِ﴾: جمع وتد، وهو كلّ ما غُرِز في الأرض فكان سبباً في تثبيت شيءٍ آخر.

وهناك عدّة أقوالٍ في تفسيرها، منها أنّ جنود فرعون كانوا يعذّبون النّاس بالأوتاد إلى أن يموتوا، ومنها أنّها الأهرامات الّتي تشبه الأوتاد الثّابتة، أو هم الجنود الّذين يقوّون له أمره، لذلك يُقال لمن تمكّن في الأرض: ضرب بها أوتاداً.

الآية رقم (1) - وَالْفَجْرِ

الواو هنا للقسم، والفجر مُقسَمٌ به، والفجر لغةً: الشّقّ الواسع، والفجر المعلوم لنا: هو ضوء النّهار الّذي يشقّ ظلام اللّيل، فكأنّ ضوء النّهار يحتجب في سواد اللّيل والفجر يشقّه شقّاً واضحاً، ونقول لمن يخرج عن منهج الحقّ: فاجرٌ، وكأنّه أحدث في التّشريع والمنهج شقّاً.

والمتأمّل في حركة اللّيل والنّهار والفجر الّذي يشقّ ظلمة اللّيل يرى هذه الآية، فالكون غير ثابتٍ، وإنّما قائمٌ على أحداثٍ متتاليةٍ ومتغيّرةٍ، والحدثُ المتغيّر لا بدّ له من مُهيمنٍ عليه يغيّره وهو الله سبحانه وتعالى ، كما أنّ كلمة الفجر تدلّ أيضاً على إخراج العالم من سباته وسكونه بعد النّوم إلى الحركة المستنيرة الّتي تسير على هدىً لا تتخبّط لتكون حركةً مثمرةً نافعةً؛ لذلك كان الفجر آيةً من آيات الله سبحانه وتعالى تستحقّ أن يُقسم الله عزَّ وجل بها، والله سبحانه وتعالى  لا يُقسم إلّا بالشّيء العظيم، وأهميّة الفجر لا تُقلِّل أبداً من منزلة اللّيل، فلكلٍّ منهما مهمّته الّتي أرادها الله سبحانه وتعالى  له في هذه الدّنيا، فالحقّ سبحانه وتعالى يضع أمام أعيننا هذه المتقابلات ليعلمنا أنّها آياتٌ ليست متضادّةً بل متقابلةً متكاملةً، ولا يستغني أحد طرفيها عن الآخر، ثمّ إنّ الفجر الّذي يُقسِم به سبحانه وتعالى  هنا ليس مجرّد ظهور الضّوء الّذي يشقّ الظّلمة ويمحو آية اللّيل، لكنّه الفجر المقرون بأمرٍ نُسُكيٍّ تعبّديٍّ هو صلاة الفجر الّتي يستقبل بها المؤمن يومه وفيها يأخذ المدد من الله سبحانه وتعالى  الّذي خلق الحياة، ولكنّها من أشقّ العبادات على المنافقين؛ لأنّ وقتها يُخرجهم من حالة الرّاحة والاسترخاء ويحرمهم لذّة النّوم، فالحقّ سبحانه وتعالى  يُقسِم بالفجر إمّا زمناً وإمّا عبادةً تشغل ذلك الزّمن.