﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾: أعدّ: أي: أعددنا وهيّأنا، والّذي أعدّ هو الله القويّ القادر سبحانه وتعالى، وهو يُعدّها على قدر سعة قدرته، وقد أعدّ الحقّ سبحانه وتعالى العذاب الأليم لهم؛ أي: الشّديد إيلامه.
﴿عَذَابًا شَدِيدًا﴾: العذاب هو إيلام حيّ يشعر بالعذاب ويُحَسّ به، وهذا غير الإهلاك الّذي يُذهب الحياة، فالإهلاك والاستئصال يمنع الإحساس بالعذاب، ولا بدّ لأيّ قرية طغت وبغت أن ينالها شيء من العذاب، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أعدّ لهم عذاباً شديداً فناسب أن يقول هنا:
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾: وأمر التّقوى أمرٌ عجيب، فنجد الحقّ سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، وأحياناً يقول: ﱣﳋ ﳌﱢ [البقرة: من الآية 24]، وتقوى الله سبحانه وتعالى؛ أي: خوف من صفات الجلال، والنّار هي نتيجة غضب الله سبحانه وتعالى.
﴿يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾: أولو الألباب هم أصحاب العقول الرّاجحة، والألباب جمع لبّ، واللّبّ هو جوهر الشّيء المطلوب، أمّا القشر فهو موجود لصيانة اللّبّ، وسُمّي العقل لُبّاً؛ لأنّه ينثر القشور بعيداً ويعطينا جوهر الأشياء وخيرها.
فاتّقوا الله سبحانه وتعالى يا أصحاب العقول الرّاجحة، والأفهام المستقيمة، من البشر، وحرّكوا الإيمان بعقولكم، وتذكّروا دائماً أنّ هذه الحياة ستذهب.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾: بدل من أولي الألباب؛ أي: أنّ أولي الألباب هم الّذين آمنوا؛ أي: الّذين آمنوا بالله سبحانه وتعالى إلهاً، ودخلوا معه في عقدٍ إيمانيٍّ، وليس في قلوبهم ريب ولا شكّ، بل يؤمنون أنّ القرآن الكريم مُوحَى به من الله سبحانه وتعالى، مُبَلَّغ إلى سيّدنا محمّد ﷺ بالوحي المنزّل من السّماء، والحقّ سبحانه وتعالى لم يحدّد في قوله جل جلاله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ آمنوا بماذا؟ فالإنسان إن آمن بالله سبحانه وتعالى فقط فهذا يقتضي أن يبحث المؤمن بالله عز وجلَّ عن مطلوبه جل جلاله، ومطلوب الله سبحانه وتعالى إنّما جاء به رسول، لذلك فالإيمان بالله سبحانه وتعالى يقتضي أن يؤمن الإنسان برسول؛ لأنّ قُصارى ما يعطيه العقل للإنسان أن يؤمن بأنّ وراء الكون إلهاً خالقاً ومدبِّراً، وإيمانك برسول يُعدّ إيماناً بالكتاب الّذي جاء به، وكذلك إيماناً بالملائكة، وكان الّذين آمنوا من أولي الألباب، أو هم أولو الألباب؛ لأنّهم استخدموا عقولهم استخداماً صحيحاً، ووصلوا إلى الإيمان الحقّ بالله سبحانه وتعالى وبرسوله ﷺ وبكتابه الكريم، فلم تأخذهم الأهواء.
﴿قَدْ﴾: نحن نعلم أنّ ﴿قَدْ﴾ للتّحقيق، فـ ﴿قَدْ﴾ إذا دخلت على الفعل الماضي تكون للتّحقيق، وإذا دخلت على المضارع فهي للتّقليل أو التّكثير.
﴿أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا﴾: كلمة ﴿أَنْزَلَ﴾ تعني: أوجد وخلق من أعلى، وما دام كلّ شيء قد وجد بمشيئة مَن هو أعلى من الوجود كلّه، فكلّ شيء لمصلحتهم، فالمنهج من حيث العلوّ يأتي بــ (على)، ومن حيث الغاية يأتي بــ (إلى).
﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا﴾: الذّكر باللّغة هو حفظ الشّيء أو استحضاره، وقد يكون الذّكر بمعنى القول؛ لأنّك لا تقول الشّيء إلّا بعد أن تستحضره، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النّحل: من الآية 44]، فأطلق الذّكر على القرآن الكريم، فالذّكر يأتي أحياناً مقصوداً به التّذكير بالقرآن الكريم، وأحياناً القرآن الكريم نفسه، وهو المنهج النّازل من السّماء وطبّقه رسول الله ﷺ، والحقّ سبحانه وتعالى يصف القرآن الكريم، فيقول: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص]، والذّكر ضدّ النّسيان، وقد وردت معان كثيرة للذّكر في القرآن الكريم، وأوّل هذه المعاني وقمّتها أنّ الذّكر حين يُطلَق يُراد به القرآن الكريم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾[آل عمران]، وكذلك في قوله جلّ جلاله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر]، فيُطلَق الذّكر ويُراد به القرآن الكريم، ومرّة يُطلَق الذّكر ويُراد به الصّيت؛ أي: الشّهرة، وقد قال الحقّ سبحانه وتعالى لرسوله ﷺ عن القرآن الكريم: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزّخرف: من الآية 44]؛ أي: أنّ القرآن الكريم شرف لك ولأمّتك.