الآية رقم (171) - يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ

هم يستبشرون بنعمة من الله، وليست فقط النّعمة، وإنّما ما هو أكثر من النّعمة وهو الفضل، ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النّحل]،  إنّ اسم المعنى (النّعمة) لا يعدّ، لكنّ نعمة الله تشمل آلاف النّعم وهي مكتنزة في نعمة واحدة، فانظر إلى نعمة الماء مثلاً كم يوجد فيها من نِعَم، تزرع بها وتروي الظّمأ وتأكل بالاستعانة بها؛ لأنّ الطّعام يوضع له الماء وتحيي الأرض بعد موتها كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء: من الآية 30]، فعندما يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍفالنّعمة الواحدة من الله تشمل آلاف النّعم ضمناً؛ ولأنّ الأمر يتعلّق بالشّهداء فالله لم يكتف بأن يُنعِم عليهم، بل هناك زيادة على النّعم وهي الفضل الّذي يعطيه الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس]

﴿وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ: عند الله لا يضيع أجر، والأجر يكون على العمل، فعندما يعمل العامل عملاً فإنّه يستحقّ عليه أجراً، فكيف إذا كان هذا العمل أن يضحّي بنفسه؟!

الآية رقم (150) - بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ

عندما أخذ أبو سفيان يرتجز بعد غزوة أُحُد: اعل هُبل، اعل هُبل، قال النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ألا تجيبونه»، قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجلّ»، قال أبو سفيان: إنّ لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ألا تجيبونه»، قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم»([1])، هنا الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْأي هو الّذي يتولّاكم ويعينكم.

﴿وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ: فالإنسان يمكن أن ينتصر بعوامل عديدة، كمساندة إنسان آخر، لكن خير النّاصرين هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنّه هو الوحيد القادر على أن يقلب الخُسران إلى نجاح وانتصار، كما قلب الخسارة الّتي حدثت في غزوة أُحُد إلى نصر للمسلمين تبيّنت لهم حقائقه بعد فترة من الزّمن.

 


([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الجهاد والسّير، باب ما يكره من التّنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه، الحديث رقم (2874).

الآية رقم (182) - ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ

﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ: عذاب جهنّم وعذاب الحريق، لا يكون بلا سبب، وإنّما هو نتيجة ما قدّمت أيديكم من عمل ومكر وجرائم وقتل للأنبياء وجحود برسالة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم.

﴿وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ: الله سبحانه وتعالى هو العدل المطلق، والله تعالى يقول: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء]، فالله عز وجل لا يظلم البشر، لكن في هذه الآية جاءت لفظة: ﴿لَيْسَ بِظَلاَّمٍ وهي صيغة مبالغة من ظالم، فمن الممكن أن يقول المشكّكون: أنت نفيت عنه أنّه (ظلّام)، ولم تنف أنّه (ظالم) -والعياذ بالله-، لكنّه قال بعد ظلّام: ﴿لِّلْعَبِيدِ وليس للعبد، أي هذا عبد وهذا عبد وهذا عبد، فصيغة المبالغة جاءت لتشمل كلّ هؤلاء العبيد على وجه الأرض، فأنت عندما تريد أن تتصدّى لتفسير القرآن الكريم يجب أن تكون عالماً بأسرار اللّغة العربيّة الّتي نزل كلام الله بها.

الآية رقم (161) - وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ

الغلول: هو سرقة الغنيمة.

هذا درس لأولئك الّذين تركوا أماكنهم الّتي وطّدهم بها النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما شاهدوا أصحابهم يأخذون الغنائم، والنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان هناك على رأس المؤمنين، فلا يمكن أن يوجد غلول، وهو إخفاء الغنائم، فلماذا تركتم أيّها الرّماة أماكنكم، ونصيبُكم من الغنائم محفوظ؟ فقد تسبّبتم بالهزيمة في تلك الغزوة، واستشهد أكثر من سبعين من أصحاب النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم. وبعد أن تحدّث عن يوم القيامة وهو منتهى كلّ غلول أتبعها بقوله: ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ: فكلّ إنسان سيُحَاسب على ما قدّم: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (38) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى[النّجم]، إذاً توفّى كلّ نفس ما كسبت ولا يُظلم الإنسان شيئاً، ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ[الأنبياء].

الآية رقم (172) - الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ

سبب النّزول:

لـمّا انصرف أبو سفيان والمشركون عن أُحُد وبلغوا الرّوحاء قالوا: لا محمّداً قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، شرٌّ ما صنعتم، فبلغ ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فندب النّاس فانتدبوا حتّى بلغوا حمراء الأسد أو بئر أبي عيينة، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ.

الآية رقم (151) - سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ

﴿سَنُلْقِي: الإلقاء يُستخدم للأمر المادّيّ وليس الأمر المعنويّ، والرّعب أمرٌ معنويّ، فهل يوجد رعب تمسكه وتلقيه؟ لكنّ الله تبارك وتعالى استخدم هذه الكلمة حتّى يطمئن الصّحابة بعد ما حدث من خسائر في غزوة أُحُد، فيقول لهم: سأجمع الرّعب من كلّ الاتّجاهات وألقيه في قلوب المشركين.

﴿بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾: السّلطان إمّا أن يكون سلطان القوّة، وإمّا أن يكون سلطان الحجّة والدّليل والبرهان، فهم ليس لديهم سلطان أي حجّة ليثبتوا به الإشراك بالله، وسيبقون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهم في خوف دائم من كلمة التّوحيد.

والإشراك بالله أن تعتقد أنّ هناك مَن يضرّ وينفع ويعطي ويمنع ويصل ويقطع ويخفض ويرفع ويعزّ ويذلّ ويحيي ويميت غير الله.

﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ: أي سيكون مصيرهم إلى النّار.

﴿وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ: المثوى: هو المنقلب الأخير للإنسان، لماذا سمّاهم ﴿الظَّالِمِينَ؟ لأنّ الظّلم الأشدّ هو أن تظلم نفسك، فكيف يظلم الإنسان نفسه؟ عندما يقدّم لها شهوة عاجلة مؤقّتة ويبعد عنها نعيماً دائماً، عندما تبغي وتكذب وترتشي وتفعل المنكرات تكون قد قدّمت شهوة عاجلة تنتهي وتبقى في حرمان المعصيّة إلى أن تصل إلى النّار، فإذاً أنت ظالم لنفسك ولغيرك في الوقت نفسه.

الآية رقم (183) - الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ

هذه الآيات كلّها تُخاطب اليهود في المدينة المنوّرة، وعندما طردهم الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان ذلك بسبب عدوانهم ومكرهم وظلمهم ونقضهم للعهود والمواثيق، على حين أنّنا نجد أنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما جاء إلى المدينة وقّع مع اليهود مواثيقَ ووضع دستوراً للمدينة يقضي بأنّ المسلمين والمشركين وأهل الكتاب يد واحدة على من عاداهم، وضع دستوراً تفتخر به الإنسانيّة في احترامه للتّعدّديّة، ومع ذلك نقضوا الدّستور والعهود والمواثيق لذلك كانت هذه الآيات المتتالية عن اليهود:

﴿الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ: هي الحجج الباطلة والمماطلة في الإيمان، حيث قالوا: إنّ الله عاهدنا ألّا نؤمن بأيّ رسول حتّى يأتي بقربان تأكله النّار، والقربان: هو ما يُتقرّب به إلى الله تبارك وتعالى، فإذا أكلت النّار القربان يكون صادقاً في أنّه من عند الله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (162) - أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

بعد أن تحدّث المولى سبحانه وتعالى تقريعاً لأولئك الّذين تركوا الجبل وخالفوا أمر النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من أجل الغنائم فحدث ما حدث، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ: هنا مقارنة، ورضوان هي مصدر (رضي)، فالإنسان عليه أن يسير بالطّريق الّذي يرضي الله سبحانه وتعالى، وإرضاء الله تبارك وتعالى أقرب ما جُبل عليه الإنسان وأُلصق بطبيعته لسببٍ بسيطٍ هو أنّ الإنسان بفطرته المركوزة فيه يميل إلى التّديّن، بدليل أنّ الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ[الأعراف]، عهد الفطرة هذا مركوز في كلّ إنسان، فرضا الله حاصلٌ في أن تتّبع أوامره سبحانه وتعالى، والله جلّ وعلا لم يكلّفك بما يشقّ عليك، حتّى العبادات من صلاة وصيام وحجّ وزكاة هي ضمن دائرة الاستطاعة، ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: من الآية 286]، لكن هل رضوان الله منوط بالعبادات؟ أم بالمعاملات؟ أم بالأخلاقيّات؟ الجواب بالعبادات والمعاملات والأخلاقيّات والتّشريعات، حتّى لا نفصل المقاصد عن الشّعائر، إذا كنت أصوم وأصلّي وأحجّ وأزكّي ومع ذلك أكذب!! كيف يسوغ ذلك؟ أكاذب وتصلّي؟! أمحتكر وتريد أن تزكّي؟! فإذاً رضوان الله منوط بأن تعمل الخير وتؤدّي ما لربّك عليك، وأن تؤدّي ما لخلق ربّك عليك أيضاً، فهل من اتّبع رضوان الله كم باء بسخط من الله؟! هل يستوي هذا وهذا؟ طبعاً لا؛ لأنّ من اتّبع رضوان الله سبحانه وتعالى فقد وفّقه الله سبحانه وتعالى في الدّنيا وكان مآله إلى جنّات النّعيم، أمّا من باء بغضب وسخط من الله فمأواه جهنّم وبئس المصير.

الآية رقم (173) - الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: النّاس الحاضرون في المشهد من اليهود ومن المشركين ومن بعض المنافقين قالوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، هم يخوّفون المسلمين بالعدّة والعتاد، كما قالوا: إنّ قريشاً تجمع الآلاف لتعيد الكرّة على المسلمين بعد غزوة أُحُد، فماذا كانت ردّة الفعل؟ المؤمن لا يخشى من تدابير البشر فأقصى ما يستطيع البشر فعله هو تنفيذ إرادة ربّ البشر فيه.

﴿فَزَادَهُمْ إِيمَاناً: زيادة الإيمان هنا أنّهم لم يجعلوا في حسابهم العدد والعدّة والعتاد، وإنّما جعلوا ربّ النّاس وكيلاً لهم.

﴿وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ: هم وكّلوا الله ليدافع عنهم.

حسبنا الله: كفانا الله، ونعم الوكيل: نعم المولى لمن وليَه.

الآية رقم (152) - وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

بعدما ذكر الله سبحانه وتعالى أنّه سيلقي في قلوب الكفّار الرّعب بدأ الآن يتحدّث عن الصّحابة رضوان الله عليهم الّذين عاشوا هذه الواقعة:

﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ: المعركة كان فيها انتصار في بدايتها، والدّليل أنّ الرّماة تركوا مواقعهم ليأخذوا الغنائم واعتبروا أنّ الحرب انتهت، إذاً في بداية الأمر صدقكم الله وعده ونصركم؛ لأنّه قال عز وجل: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمأي: تقتلونهم قتلاً ذريعاً، وتستأصلونهم، ﴿بِإِذْنِهِ أي بأمره.

﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ: أي بعد ما رأيتم النّصر.

﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا: ترك أوامر النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وذهب إلى الغنيمة.

الآية رقم (184) - فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ

فإن كذّبوك يا محمّد، وقد كذّبوك، وستتعرّض لهذا التّكذيب من قبل المشكّكين والمنافقين واليهود والمشركين، ﴿فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَفطريق الدّعوة إلى الله تبارك وتعالى طريقٌ مزروعٌ بالأشواك، ولا بدّ من الصّبر.

﴿بِالْبَيِّنَاتِ: الدّلائل الواضحات والمعجزات الّتي أثبتت صدق بلاغهم عن الله سبحانه وتعالى.

﴿وَالزُّبُرِ: تعني الكتب، جمع كتاب، وكان أحد الشّعراء يقول:

لـمن طللٌ أبصرتُه فشــــــــجاني                        كخطّ زبور في عسـيبٍ يمان

﴿وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ: المقصود به التّوراة والإنجيل.

الآية رقم (163) - هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ

درجات للّذين اتّبعوا رضوان الله، وليس دركات؛ لأنّ الدّرجات ترتفع في الجنان، والدّركات تنخفض إلى قعر الجحيم، إذاً هناك درجات في الجنّات وليست درجة واحدة.

الآية رقم (174) - فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ

قلنا: النّعمة تتضمّن آلاف النّعم، والفضل زيادة عمّا يستحقّون من عمل، ونحن عندما نقول في حلقات الذّكر: (حسبنا الله ونعم الوكيل) يجب أن نستحضر معناها حتّى ينتقل الذّكر إلى القلب، وحتّى يكون المؤمن ثابتاً متيقّناً من قدر الله وقضائه ونصره ووعده، ومن أجمل ما ورد عن الإمام جعفر الصّادق رضي الله عنه قوله: “عجبت ممّن اغتمّ ولم يسمع قول الله: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[الأنبياء: من الآية 87]؛ لأنّ الله أعقبها بقوله: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ

الآية رقم (153) - إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

الدّرس الّذي يعلّم النّصر في الأمر الكبير لا يُعتبر هزيمة في الأمر الصّغير، الّذي حدث شيء صغير لكنّ هذا الدّرس يعلّم النّصر الدّائم.

﴿إِذْ تُصْعِدُونَ: تُصعدون وتَصعدون، ما الفارق؟ تَصعدون أي هناك مرتفع تصعدونه، أمّا تُصعدون فيعني الأرض مستوية سهلة تُصعدون فيها، أي تذهبون فيها.

﴿وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ: أي لا تلتفتون؛ لأنّكم خائفون ومسرعون.

﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ: النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يهدّئ من روعهم ويدعو الّذين فرّوا في غزوة أُحُد.

الآية رقم (185) - كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ

هذه الآية العظيمة هي قانون إلهيّ عامّ لا يتخلّف عنه أحدٌ من البشر، لا الرّسل ولا الأنبياء عليهم السلام ولا الخلق أجمعون، والله سبحانه وتعالى خاطب أشرف خلقه بقوله: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ[الزّمر]،  ونحن نعلم أنّ الله تبارك وتعالى قال في كتابه الكريم: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ[الرّحمن]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً﴾ [آل عمران: من الآية 145]،  فهذه الآية الكريمة تطرح هذا القانون العامّ الّذي ما استطاعت البشريّة حتّى هذه اللّحظة ولن تستطيع حتّى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها أن تؤخّر الموت لحظة عن إنسان قد جاء أجله، ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف].

الآية رقم (164) - لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ

ستّ مسائل منّ الله سبحانه وتعالى علينا بها:

– الأولى: ما جاءت به الآية: ﴿إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً فقد منّ علينا بالنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فكيف سيكون مكان رسولنا عندنا؟ هذا سؤالٌ للمتشدّدين الّذين ينهون عن مناداته بـ (سيّدنا)، والذين يرفضون الصّلاة عليه عقب الأذان، سنقول سيّدنا رسول الله شاء من شاء وأبى من أبى، وسنصلّي عليه بعد الأذان وخارج الأذان وفي كلّ وقت، صلّى الله عليه وسلّم تسليماً كثيراً، أعجب ذلك الوهّابيّة أم لم يعجبهم، هذا أمر لا يعنينا، يعنينا أن نتّبع القرآن في حبّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ما هو تعريف الأذان؟ هو إعلام بدخول الوقت، وهو سنّة مؤكّدة عن النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتوقير سنّته ولا سيما في مسألة الأذان، ونحن نلتزم بسنّة النّبيّ كما علّمه لسيّدنا بلال. والصّحابة الكرام كان الرّسول بين أظهرهم وكانوا يصلّون عليه كلّما رأوه صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى كما أمرهم فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب]، فإن جهر المؤذّن بالصّلاة على سيّدنا رسول الله أليس هذا أمر حسن؟ أليس يليق هذا بمن تمنّ به الآيات على المؤمنين؟

الآية رقم (175) - إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ: من الّذي يخاف؟ هم أولياء الشّيطان، والشّيطان لا يستطيع أن يدخل إلى الإنسان إلّا من ثغرة فيه، يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر]، لكنّ الشّيطان لعنه الله توعّد: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص]، إذا كان الإنسان مخلصاً لله فلن يستطيع الشّيطان أن يدخل من أيّ ثغرة؛ لأنّ الإنسان يكون محصّناً، لكنّ الشّيطان يخوِّف، فمن خاف فهو وليّ للشّيطان، ومن لم يخف وازداد إيماناً وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فالله مولاه.

الآية رقم (154) - ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا:  المغموم لا يقدر أن ينام، فأنزل الله سبحانه وتعالى نعاساً جعله أماناً لهم.

كلمة ﴿أَنزَلَ أي نزل من السّماء، وليس بالسّبب المعتاد الّذي هو النّعاس، أمّا ذلك فكان بأمر إلهيّ أنزله الله سبحانه وتعالى لطفاً ورأفة بهم.

﴿وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ: هؤلاء الّذين اتّبعوا عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس النّفاق، وأصبحوا ضمن دائرة المنافقين.

﴿وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ:  لا تهمّهم إلّا نفوسهم.

﴿يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾:  والله سبحانه وتعالى هو الحقّ وأنزل القرآن بالحقّ، والحقّ: هو الشّيء الثّابت، منهم مَن قال: وعدنا الله سبحانه وتعالى بالنّصر وانهزمنا، وعادوا إلى أسلوب التّفكير الجاهليّ.

الآية رقم (165) - أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

﴿قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا: أي أنتم أصبتم في غزوة بدر وانتصرتم.

﴿قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا: قلتم: كيف هذا؟

﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ: ربط الإسلام الأسباب بالمسبّبات، فقد خالف الرّماة خطّة الحرب ولم يأخذوا بالأسباب، فالخسارة إذاً من عند أنفسهم.

﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾: هو قدير أن ينصركم بعد ذلك، وهو قدير أن يُذيقكم نكسة تنتصرون بعدها.

الآية رقم (176) - وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

انظروا إلى عظمة النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ورحمته ورأفته بأمّته، فقد كان يحزن؛ لأنّهم لم يؤمنوا، ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (128) إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النّحل]، فالنّبيّ كان يحزن لأولئك الّذين يسارعون في الكفر، فيطمئن الله النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنّه نقل الأمر من النّبيّ ومن أتباعه من المؤمنين إليه جل جلاله فقال: ﴿إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً فعداوتهم مع الله وليس مع رسول الله، هذه قوّة مساندةٍ كبيرةٍ يعطيها الله لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم.