الآية رقم (1) - إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ

الإعلام بالغيب كثيرٌ في كتاب الله سبحانه وتعالى، وسورة (النّصر) إخبارٌ من الله سبحانه وتعالى  لما سيحدث لدعوته في المستقبل من نصرةٍ وتمكينٍ وغَلَبةٍ بعد كلّ ما هم فيه من الاضطهاد والحصار الّذي ضيّق عليهم حتّى لم يعد أمامهم بارقة أملٍ في النّصر، لكن من الظّلمة الحالكة ينبثق نور الفجر، وينزل الوحي على سيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو مُحَاصرٌ وفي حالة الشّدّة في مكّة ليقول له: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ _  وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا﴾، هذا إعجازٌ في القرآن الكريم، وهو أحد أهمّ المعجزات، هل كان النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليقول للنّاس كلاماً وتأتي الأحداث بعد ذلك مناقضةً له؟! بالتّأكيد لا، فقد كان واثقاً من أنّه وحيٌ من الله سبحانه وتعالى الّذي يملك عناصر النّصر، ولا يمكن لقوّةٍ أن تُعارضه سبحانه وتعالى أو تحول دون إنفاذ أمره جلَّ جلاله، فالنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بلّغ قول ربّه: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ﴾ وأصبحت قرآناً يُتلَى ويُتَعبّد به، وقد نزلت هذه الآية قبل أن يتحقّق أيّ نصرٍ، أو أيّ فتحٍ، وهذه السّورة لها ظاهرٌ من الأمر وباطن.

الآية رقم (2) - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا

﴿أَفْوَاجًا﴾: جماعاتٍ كثيفة.

﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ﴾: هل النّاس كلّهم دخلوا في دين الله جلَّ جلاله؟ الجواب: لا بالتّأكيد، ليس هذا هو المقصود، لذلك عندما يقول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أمرتُ أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله، ويُقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّ الإسلام، وحسابهم على الله»([1])، فليس المقصود النّاس كلّهم سيُقاتلهم، بل الّذين يقاتلونه فقط.

 


([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الإيمان، باب ﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾، الحديث رقم (25).

الآية رقم (3) - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا

﴿فَسَبِّحْ﴾: أي نزِّه الله سبحانه وتعالى، وصَلِّ له حامداً على نِعَمه.

﴿وَاسْتَغْفِرْهُ﴾: اسأله المغفرة لك ولمن تبعك، وطلب الاستغفار من النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان لترك الأفضل، وليقتدي به غيره، ولم يكن بسبب ارتكاب معصيةٍ أو ذنبٍ.

عن السّيّدة عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُكثر من قول: «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه»، قالت: فقلت: يا رسول الله، أراك تُكثر من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه؟ فقال -عليه الصّلاة والسّلام-: «أخبرني ربّي أنّي سأرى علامةً في أمّتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ﴾ فتح مكة، ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾»([1]).