الآية رقم (2) - لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ

﴿لَا﴾: لا حالاً ولا في المستقبل، وسبب نزول هذه السّورة أنّ كفّار قريش عرضوا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يعبدوا الله سبحانه وتعالى  سنةً، وهو يعبد آلهتهم سنةً، أو قالوا: تسجد لأصنامنا مرّةً ونحن نسجد لإلهك؛ أي تقسيم العبادة في الزّمن، فالمسألة متعلّقةٌ بالعبادة، والعبادة هي الأصل الأصيل في العقائد، وليست من التّشريعات الّتي يَطرأ عليها التّغيير بحسب الزّمان والمكان من قومٍ إلى قومٍ، والأمر بالعبادة لله وحده لا شريك له، أمرٌ يتّفق عليه الجميع من لدن آدم عليه السَّلام  إلى خاتم الرّسل :، ولا تتغيّر بتغيّر الظّروف والأحوال.

الآية رقم (3) - وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ

الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم يلتزم بالبلاغ عن الله سبحانه وتعالى بهذا اللّفظ، قال لهم: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ هذا الحكم ليس من عند محمّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنّما بلاغٌ من الله سبحانه وتعالى.

﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ تعني في الحال لا من جهتي ولا من جهتكم، فلا مجال للتّلاقي أو التّفاهم؛ لأنّ منهجكم الاعتقاديّ والتّصوّر للألوهيّة مختلفٌ عن منهجي، منهجكم من عند أنفسكم ومنهجي من عند الله سبحانه وتعالى، لذلك لا يمكن أن نلتقي في منتصف الطّريق؛ لأنّ الالتقاء في منتصف الطّريق يكون بين أغيار النّاس أمثالكم، أمّا المنهج الإلهيّ فلا يمكن أن نلتقي مع من يُناقضه ويناقض أساسه، والله سبحانه وتعالى لا يتغيّر من أجل النّاس، لكن النّاس يجب أن يتغيّروا من أجل الله عزَّ وجل.

الآية رقم (4-5) - وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ - وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ

أي في المستقبل، فلا أمل لاستئناف المفاوضات حول هذا الافتراق في الحال أو في المستقبل، فنفى الإيمان عنهم حتّى في المستقبل؛ لأنّهم سيموتون على هذه الحال.

الآية رقم (6) - لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ

فهؤلاء الّذين كانوا يُفاوضون الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم سيأتي من أصلابهم من يؤمن، كما بشّرت بذلك سورة (النّصر) الّتي جاءت بعد هذه السّورة، فبشّرت بأنّ النّاس سيُدخلون في دين الله سبحانه وتعالى أفواجاً، ومنهم أبناء هؤلاء الكفّار وأحفادهم، وهذا يعني أنّ معسكر الكفر لن يبقى بمواجهة معسكر الإيمان طوال الوقت؛ لأنّ الدّين دينٌ واحدٌ.

عن فروة بن نوفل عن أبيه: أنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال لنوفل: «اقرأ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ثمّ نَم على خاتمتها، فإنّها براءةٌ من الشّرك»([1]).

 


([1]) سنن أبي داوود: كتاب الأدب، باب ما يقول عند النّوم، الحديث رقم (5055).

الآية رقم (1) - قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ

﴿قُلْ﴾: الـمُخاطب في هذه السّورة هو النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أي يا محمّد قل: ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، وهذه أمانة البلاغ من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الله سبحانه وتعالى، والقرآن مُتعبّدٌ بتلاوته لا ينقص حرفاً.

﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾: هم كفرةٌ مخصوصون، قد علِمَ الله سبحانه وتعالى منهم أنّهم لا يؤمنون، وهم زعماء الشّرك في مكّة.

فهؤلاء في جانبٍ ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الجانب المقابل.

النّداء في قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ للبعيد، وهذا النّداء يكون مرّةً للتّفخيم ومرّةً للتّحقير؛ لأنّ البُعد يأتي على معنيين، إمّا بُعد منزلةٍ وعلوّ مكانةٍ، أو بُعد مكانٍ عن الحضرة الطّاهرة، فحين يقول الحقّ سبحانه وتعالى في خطاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿يا أيُّها النَّبيّ﴾ [الأنفال: من الآية 64]، ﴿يا أيُّها الرَّسول﴾ [المائدة: من الآية 41]، فالنّداء هنا يُفيد علوّ المنزلة والمكانة، وعندما يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، فالبُعد هنا عن الحضرة، فجهة النّداء مُنفكّة.

وقد ذهب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إليهم في ناديهم، ليُعلن عليهم هذا القطع بالعلاقة فيما يتعلّق بالعبادات ليسمع الجميع، لم يقل لهم: (يأيّها الّذين كفروا)؛ لأنّهم لم يكونوا مؤمنين قبل كفرهم، بل الكفر أصلٌ ملازمٌ لهم منذ البداية، وكلمة الكفر توحي بفطريّة الإيمان؛ لأنّ كفر الشّيء يعني ستره.