الآية رقم (2) - إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ

أي بسبب إلفهم الارتحال إلى اليمن في الشِّتاء، وإلى الشّام في الصّيف كلّ عامٍ للتّجارة، فقد كانوا يستعينون بهاتين الرّحلتين على المقام بمكّة وخدمة البيت الّذي هو فخرهم ومجدهم.

فلو ترك الله سبحانه وتعالى أبرهة وما يريد من هدم البيت لسقطت معه قريش، فمنزلة قريش بين الأمم والعرب كانت بسبب البيت الحرام الّذي حماه الله سبحانه وتعالى، فكانت القبائل تجتمع عنده في خدمة ورعاية قريش، فالسّياق بين السّورتين موصولٌ، جعلهم الله سبحانه وتعالى كعصفٍ مأكولٍ لإيلاف قريش.

الآية رقم (3) - فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ

فيها إشارةٌ إلى أنّ إهلاك أبرهة وجيشه كان لحماية بيت الله جلَّ جلاله، تبع ذلك تأليف قريش، وإلفهم لرحلة الشّتاء والصّيف، وتوفّر لهم بذلك الرّزق الّذي لا جوع معه، والأمن الذي لا خوف معه.

﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ﴾: لأنّهم يدينون لربّ هذا البيت وللبيت، وجب عليهم ردّ الجميل وعبادة الله ربّ هذا البيت الّذي كان سبباً في أمنهم وسعادتهم.

﴿فَلْيَعْبُدُوا﴾: العبادة تطلق على معانٍ عدّةٍ، فكلّ سياقٍ للعبادة له معنىً، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذّاريات]، العبادة تكون في مناحي الحياة كلّها، فالعامل في مصنعه إذا أتقن فهو في عبادةٍ، والفلاح في حقله إذا أتقن فهو في عبادةٍ، والموظّف في وظيفته إذا أخلص في عمله فهو في عبادةٍ؛ لأنّ العبادات ليست فقط الصّوم والصّلاة والحجّ والزّكاة، فهذه أركان الإسلام، فالنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «بُني الإسلامُ على خمس: شهادة أنْ لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله، وإقامِ الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان»([1])، أمّا الإسلام فهو كلّ ما أمر الله سبحانه وتعالى  به ونهى عنه، فالعبادة تكون في كلّ شيءٍ نافعٍ يعود على الإنسان وعلى مجتمعه ووطنه والإنسانيّة جمعاء، وهذه هي العبادة الّتي يأمر بها الله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿فَلْيَعْبُدُوا﴾.

 


(([1] صحيح البخاريّ: كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «بني الإسلام على خمس»، الحديث رقم (8).

الآية رقم (4) - الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ

هذه الآية تدور حول ضروريّات الحياة الّتي لا بدّ منها، الطّعام والأمن، فالطّعام من مقوّمات الحياة، ولا يقلّ الأمن أهميّةً عنه، فالإنسان يخاف من زول النّعمة عنه، أو من مصيبةٍ تحلّ به، فمن أعظم النّعم على الإنسان أن يضمن الله عزَّ وجل له أن يطعمه من جوعٍ، وأن يؤمّنه من خوفٍ، وهذا تحقيقٌ لقول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدّنيا»([1]).


([1]) سنن التّرمذيّ: كتاب الزّهد، باب 34، الحديث رقم (2346).

تفسير سورة قريش

لا شكّ أنّ المناسبة بين سورة (الفيل) وسورة (قريش) واضحةٌ، فالحقّ سبحانه وتعالى أهلك أصحاب الفيل لإيلاف قريش، لتأليفهم وليألَفوا هم رحلة الشّتاء إلى الشّام ورحلة الصّيف إلى اليمن، وليس من الضّروري أن تنزل السّورة بعد السّورة لتكون مترتّبةً عليها، فقد تنزل بعدها بفترةٍ طويلةٍ، لكن وضعها في القرآن الكريم يأتي في هذا المكان؛ لأنّ كلام الله سبحانه وتعالى  له تصميمٌ نهائيٌّ، وهو الّذي كان باللّوح المحفوظ، أمّا أسباب النّزول للسّور والآيات فبحسب الأحداث، بعد ذلك رتّبها سيّدنا جبريل عليه السَّلام  كما باللّوح المحفوظ ترتيباً آخر، فجاءت سورة (قريش) بعد سورة (الفيل).

الآية رقم (1) - لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ

﴿لِإِيلَافِ﴾: يقال: آلف الشّيء إيلافاً، وألف إِلافاً وإِلفاً؛ أي: لزمَه وعكَف عليه، مع الأُنس به وعدم النُّفور منه.

واللّام حرف جرٍّ، وتسمّى لام العاقبة، ما قبلها سببٌ لما بعدها، فالله سبحانه وتعالى أهلك أبرهة وجيشه لإيلاف قريشٍ، ليحفظ قريشاً لمكانتها بين العرب؛ لأنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم منها.