﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: كيف نفهم مضاعفة العذاب في هذه الآية مع قوله عزَّ وجلَّ في آية أخرى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾[الشّورى: من الآية 40]، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾[الأنعام]، الحقيقة لا يُوجد تناقض بين آيات القرآن الكريم، فالّذي يرتكب هذه الفِعْلة يكون أسْوة في المجتمع تُجرِّىء غيره على ارتكاب هذه الجريمة؛ لذلك عليه وزْرةٌ كفاعل أوّلاً، وعليه وِزْر مَنِ اقتدى به، كما جاء في قوله عزَّ وجلَّ حكايةً عن الكافرين: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾[الزّخرف: من الآية 23]، فوجود الآباء كقدوة للشّرّ يزيد من شرِّ الأبناء، فكأنّهم شركاء فيه، لذلك يقول الله عزَّ وجلَّ في موضع آخر: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [النّحل: من الآية 25]، وقال تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾[العنكبوت: من الآية 13]، فالوِزْر الأوّل لضلالهم الذّاتيّ، والوِزْر الآخر؛ لأنّهم أضلّوا غيرهم، وهذا هو المراد بمضاعفة العذاب.

﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾: معنى: ﴿مُهَانًا﴾: حينما وصف القرآن الكريم العذاب وصفه مرّةً بأنّه: أليم، ومرّةً: عظيم، ومرّة: مُهين، فالّذي ينظر إلى إيلام الجوارح يقول: هذا عذاب أليم؛ لأنّه يُؤلم كلّ جارحة فيه، فالعذاب أمر حِسّيّ، أمّا الإهانة فأمر معنويّ، ومن النّاس مَنْ تؤلمه كلمة تنال من كرامته، ومنهم مَنْ يُضرب فلا يؤثّر فيه.

والخالق تعالى خلق النّاس وعَلِمَ أزلاً أنّهم أبناء أغيار، ليس معصوماً منهم إلّا الرّسل، فالسّيّئة مُحْتملة منهم، ومن تمام رحمته عزَّ وجلَّ بربوبيّته أنْ فتح باب التّوبة لعباده، لمن أسرف منهم على نفسه في شيء؛ لأنّ صاحب السّيّئة إنْ يئس من المغفرة استشرى خطره وزاد فساده، لكن إنْ فتحتَ له باب التّوبة والمغفرة عاد إلى الجادّة، واستقام على الطّاعة، وفي هذا رحمة بالمجتمع كلّه.