الآية رقم (1) - يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾: المتتبّع لألفاظ التّسبيح في القرآن الكريم يجد أنّ التّسبيح ثابت لله عز وجلَّ قبل أن يخلق المسبِّحين، كقوله: ﴿سُبْحَانَ الَذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾[الإسراء: من الآية 1]، ثمّ بعد أن خلق الله عز وجلَّ الخلق قال: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾[الحشر: من الآية 1]، فهل سبَّحوا وانتهوا؟ لا، قال جل جلاله: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ﴾، فتسبيح الله سبحانه وتعالى كان وما يزال إلى قيام السّاعة، لذلك يأمر الحقّ سبحانه وتعالى نبيّه ﷺ ومعه أمّته ألّا يخرج عن هذه المنظومة المسبِّحة، فيقول له: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾[الأعلى]، والتّسبيح هو تنزيهٌ لله جل جلاله ضمن منظومة للكون كلّه، فالكون كلّه مسبِّح لله عز وجلَّ، لذلك يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: من الآية 44]، وعَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بـ: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى]، و: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾[الكافرون]، و: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾، فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الـمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الـمَلِكِ القُدُّوسِ، سُبْحَانَ الـمَلِكِ القُدُّوسِ، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ([1]).

﴿ٱلۡمَلِكِ﴾: في الآخرة هناك مالك واحد هو مالك يوم الدّين، ولا يوجد ملكٌ في الآخرة إلّا لله عز وجلَّ، لذلك يقول سبحانه وتعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾[غافر: من الآية 16]، فإن أعطى في الدّنيا ملكاً للنّاس فهو مالك الملك.

﴿ٱلۡقُدُّوسِ﴾: المطهَّر، فالتّقديس هو تطهير الله سبحانه وتعالى عن الأغيار كلّها، فهو قدّوس طاهر، لا يليق أن يُرفَع إليه إلّا طاهر، ولا يليق أن يصدر عمّن خلقه بيديه إلّا طاهر، لذلك على الإنسان أن يكون طاهراً، ويُقال: قدّس الله؛ أي: نزّه، فالله جل جلاله له أفعال لكنّ أفعاله مقدّسة ومطهّرة ومنزّهة أن تكون كأفعال البشر، وصفاته جل جلاله مقدّسة؛ أي: مطَهَّرة، وهو سبحانه قدّوس منزّه عن كلّ نقص، وقد قالت الملائكة: ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾[البقرة: من الآية 30]، والتّسبيح هو التّنزيه عمّا لا يليق بذات المنزَّه، والتّقديس هو التّطهير، ولذلك نقول: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، سبّوح؛ أي: مُنَزَّه عن كلّ ما لا يليق بجلاله، وقدّوس؛ أي: مطهَّر.

والتّسبيح تقديس لله عز وجلَّ وتنزيهه ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً، فهو جل جلاله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشّورى: من الآية 11]، لا في الذّات ولا في الصّفات ولا في الأفعال، والمعنى: نسبِّحك ونُقَدِّسك تقديساً يليق بألوهيّتك الثّابتة لك.

﴿ٱلۡعَزِيزِ﴾: الّذي لا يُغلَب، والحقّ سبحانه وتعالى عزيز ذو انتقام.

﴿ٱلۡحَكِيمِ﴾: الذّي يضع الأشياء في نصابها، فإطلاق صفة الحكيم على الخالق سبحانه وتعالى هو أنّه جل جلاله يحكم المخلوقات حتّى لا تسير بغير هدى ودون دراية، والحكمة في الفقه أن يوضع هدف لكلّ حركة لتنسجم الحركات بعضها مع بعض، ويصير الكون محكوماً بالحقّ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والحِكْمة مأخوذة من الحَكَمة الّتي توضع في فم الفرس ونسمّيها اللّجام، وتتكوّن من قطعة من الجلد تدخل على اللّسان وفيها قطعة من الحديد، فإن مال إلى غير الاتّجاه الّذي تريد يكون من السّهل جذبه إلى الاتّجاه الصّحيح، ومن هنا أُخِذَت الحِكْمَة.

فالله سبحانه وتعالى هو الحكيم العزيز، وهو مستغنٍ عن عبادة خلقه.

([1]) مسند الإمام أحمد بن حنبل: مسند المكّيّين، عبد الرّحمن بن أَبْزَى الخُزَاعِيّ، الحديث رقم (15354).

«يُسَبِّحُ» مضارع

«لِلَّهِ» متعلقان بالفعل

«ما» فاعل والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب

«فِي السَّماواتِ» متعلقان بمحذوف صلة الموصول

«وَما فِي الْأَرْضِ» معطوف على ما في السموات

«الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» بدل من لفظ الجلالة.

{يُسَبِّحُ} … يُنَزِّهُ اللهَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ.

{الْقُدُّوسِ} … المُنَزَّهِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ.

{الْعَزِيزِ} … القَوِيِّ الغَالِبِ الَّذِي لَا يُغَالَبُ