الخداع في لسان العرب لابن منظور: إظهار غير ما تُبطن. فكيف نوفّق بين هذا المعنى وقول الله عزَّوجل ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النّساء: من الآية 142]، ومثل ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران]، والله عزَّوجل ليس في حاجة إلى الخداع والمكر؟
ولا بدّ من امتلاك اللّغة العربيّة لمن يتصدّى للتّفسير، والمعنى: أنّ المكر الأوّل في الآية هو مكرهم، والمكر الثّاني في الآية هو أنّ الله يكشف مكرهم ويُبطل آثار مكرهم. وهنا في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم﴾؛ لأنّهم لا يستطيعون أن يخدعوا الله، وقد يخدعون المؤمنين، ولكن لا أحد يستطيع أن يخدع الله عزَّ وجل؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يعلم السرّ وأخفى كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه]، والسّرّ عادةً يكون بين اثنين، فما الّذي هو أخفى من السّرّ؟ هو ما تُضمره في نفسك دون أن تطلع عليه أحداً، فأنت لا تستطيع خداع الله سبحانه وتعالى، والقرآن الكريم يقول: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾، وفي آية أخرى يقول: ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: من الآية 13]، والفارق بينهما هو أنّه حين يكون الحديث عن الإيمان يقول: ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾، وحين يكون الحديث عن النّفاق يقول: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾؛ لأنّ الإيمان غيبيّ ويحتاج إلى علم، أمّا النّفاق والخداع فهو شيء ملموس حسّيّ فناسبه القول بأنّهم: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.