الآية رقم (6) - يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا﴾: يذكّرهم سبحانه وتعالى بيوم البعث والحساب يوم يحاسبهم على كلّ صغيرة وكبيرة ممّا نسوه، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أحصاه وسجّله عليهم، وكتبه الحفظة من الملائكة، ونحن لو سألنا مثلاً رجلاً في السّتين أو في السّبعين من عمره وقلنا له: هل تحصي ذنوبك؟ يقول لنا: لا أستطيع؛ لأنّ النّسيان من طبائع الإنسان، كأنّ صفات الكمال في النّفس الإنسانيّة لها تقدير ذاتيّ، فمثلاً شهادة الزّور أو النّميمة أو الشّتيمة يقع فاعلها في المحظور، ويكون كشاهد زور، وتمرّ الأيّام والسّنوات، وينسى هذه الأمور، لذلك: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا﴾.

﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ﴾: لأنّه المحصي سبحانه وتعالى.

﴿وَنَسُوهُ﴾: لأنّهم أهل للنّسيان.

﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾: لأنّه قيّوم السّموات والأرض، وقد جاء في بعض الكتب: “إِنْ لَـمْ تَعْلَمُوا أَنِّي أَرَاكُمْ، فَالخَلَلُ فِي إِيمَانِكُمْ، وَإِنْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَرَاكُمْ فَلِمَ جَعَلْتُمُونِي أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكُمْ؟”([1])، فقوله عز وجلَّ: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾: يعني السُّور الكلّيّ، فلا يوجد شيء إلّا والله سبحانه وتعالى شهيد عليه، والإيمان بإله واحد شيء وهو سبحانه وتعالى شهيد عليه، لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾[آل عمران: من الآية 18]، فقـبل أن يطلب جل جلاله من النّاس أن تشهد بهذا شهد هو به لنفسه عز وجلَّ، وكذلك رسول الله ﷺ قبل أن يشهد النّاس له بالرّسالة شهد بها هو لنفسه، وقد ورد في الحديث أنّه ﷺ قال: «أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ»، في قصّة جابر بن عبد الله t الّذي كان عليه دين لرجل يهوديّ، وقد حان وقت السّداد، إلّا أنّه لا يستطيع؛ لأنّ نخيله لم يثمر الثّمر الّذي يكفي لسداد الدَّين، فكلّم جابرٌ t رسولَ الله ﷺ أن يتوسّط له عند اليهوديّ ليؤجّل موعد السّداد، لكنّ اليهوديّ رفض، فقد وجد الفرصة لإذلال المسلمين، يقول جابر t: كَانَ بِالـمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ، وَكَانَ يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إِلَى الجِدَادِ، وَكَانَتْ لِجَابِرٍ الأَرْضُ الَّتِي بِطَرِيقِ رُومَةَ، فَجَلَسَتْ، فَخَلَا عَاماً، فَجَاءَنِي اليَهُودِيُّ عِنْدَ الجَدَادِ وَلَـمْ أَجُدَّ مِنْهَا شَيْئاً، فَجَعَلْتُ أَسْتَنْظِرُهُ إِلَى قَابِلٍ فَيَأْبَى، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «امْشُوا نَسْتَنْظِرْ لِجَابِرٍ مِنَ اليَهُودِيِّ»، فَجَاءُونِي فِي نَخْلِي، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يُكَلِّمُ اليَهُودِيَّ، فَيَقُولُ: أَبَا القَاسِمِ، لَا أُنْظِرُهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ ﷺ قَامَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ فَكَلَّمَهُ فَأَبَى، فَقُمْتُ فَجِئْتُ بِقَلِيلِ رُطَبٍ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: «أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ؟»، فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ: «افْرُشْ لِي فِيهِ»، فَفَرَشْتُهُ، فَدَخَلَ فَرَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَجِئْتُهُ بِقَبْضَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ فَكَلَّمَ اليَهُودِيَّ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَامَ فِي الرِّطَابِ فِي النَّخْلِ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا جَابِرُ جُدَّ وَاقْضِ»، فَوَقَفَ فِي الجَدَادِ، فَجَدَدْتُ مِنْهَا مَا قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَبَشَّرْتُهُ، فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ»([2])، فالله سبحانه وتعالى شهد لنفسه شهادة الذّات للذّات، وشهدت الملائكة شهادة المشهد، وشهد أولو العلم شهادة دليل: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ ﴾[آل عمران: من الآية 18].

([1]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: كتاب أسماء الله الحسنى، ج4، ص1569.

([2]) صحيح البخاريّ: كتاب الأطعمة، باب الرّطب والتّمر، الحديث رقم (5443).

«يَوْمَ» ظرف زمان

«يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ» مضارع ومفعوله ولفظ الجلالة فاعله

«جَمِيعاً» حال منصوبة والجملة في محل جر بالإضافة

«فَيُنَبِّئُهُمْ» مضارع ومفعوله والفاعل مستتر

«بِما» متعلقان بالفعل والجملة معطوفة على ما قبلها

«عَمِلُوا» ماض وفاعله والجملة صلة،

«أَحْصاهُ اللَّهُ» ماض ومفعوله ولفظ الجلالة فاعله والجملة استئنافية لا محل لها

«وَنَسُوهُ» ماض وفاعله ومفعوله والجملة حال.

«وَاللَّهُ» لفظ الجلالة مبتدأ

«عَلى كُلِّ» متعلقان بشهيد

«شَيْءٍ» مضاف إليه

«شَهِيدٌ» خبر والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها.