الآية رقم (8) - يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ

﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾: القائل هو عبد الله بن أبيّ بن سلول زعيم المنافقين، قال: لئن عدنا من هذه الغزوة -غزوة بني المصطلق- إلى المدينة ليُخرِجَنّ الأعزّ -ويقصد نفسه- منها الأذلّ -أراد بذلك النّبيّ ﷺ ومن معه من المهاجرين وغيرهم من المؤمنين الصادقين-، ولكنّ النّبيّ ﷺ ومن معه هم الأقوياء الأعزّاء، والمنافقون هم الأذلّاء الضّعفاء، وقد رجع ابن أبيّ إلى المدينة فلم يلبث إلّا أيّاماً يسيرة حتّى مات، فاستغفر له رسول الله ﷺ وألبسه قميصه، بناء على طلب ابنه عبد الله الّذي كان مؤمناً، فنزلت هذه الآية، فردّ الله عز وجلَّ عليهم قولهم، فقال جل جلاله:

﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾: أي: أنّ لله سبحانه وتعالى وحده القوّة والغلبة، ولمن منحها من رسله وصالحي عباده المؤمنين، لا لغيرهم، لكنّ المنافقين لا يدرون ذلك لفرط جهلهم، وعدم إيمانهم، وشدّة حيرتهم وقلقهم، فالله سبحانه وتعالى هو الّذي ينصر من يشاء من عباده، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: من الآية 21]، والعزّة والمنعة والقوّة لله عز وجلَّ، خلافاً لما يتوهّمه بعض النّاس أنّ العزّة بكثرة الأموال والأتباع، والعزّة تختلف عن الكبر، فالعزّة شعور بالسّمو، مع معرفة الإنسان حقيقة نفسه، والكبر غمط النّاس حقوقهم، وجهل الإنسان بنفسه، قال عَبْدُ اللَّهِ بن عَبْد اللَّهِ بن أَبِيّ بن سَلُولٍ لِأَبِيهِ: “وَاللَّهِ لَا تَدْخُلِ الجَنَّةَ أَبَداً حَتَّى تَقُولَ: رَسُولُ اللَّهِ الأَعَزُّ وَأَنَا الأَذَلُّ”([1]).

وفي الآية السّابقة قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾، وهنا قال جلّ جلاله: ﴿وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، في الموضع الأوّل: ﴿لَا يَفْقَهُونَ﴾؛ لقلّة كياستهم وفهمهم، وفي الثّاني: ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ لكثرة حماقتهم وجهلهم.         

([1]) إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: كتاب التّفسير، سورة المنافقون، الحديث رقم (5863).

«يَقُولُونَ» مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة معطوفة على ما قبلها في المعنى

«لَئِنْ» اللام موطئة للقسم المحذوف

«إن» شرطية جازمة

«رَجَعْنا» ماض في محل جزم فعل الشرط ونا فاعله والجملة ابتدائية لا محل لها

«إِلَى الْمَدِينَةِ» متعلقان بالفعل

«لَيُخْرِجَنَّ» اللام واقعة في جواب القسم ومضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة

«الْأَعَزُّ» فاعل «مِنْهَا» متعلقان بالفعل

«الْأَذَلَّ» مفعول به والجملة جواب القسم لا محل لها.

«وَ» الواو حالية

«لِلَّهِ» خبر مقدم

«الْعِزَّةُ» مبتدأ مؤخر والجملة حال

«وَلِرَسُولِهِ» معطوف على لله

«وَلِلْمُؤْمِنِينَ» معطوف على لله.

«وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ» لكن واسمها

«لا» نافية

«يَعْلَمُونَ» مضارع وفاعله والجملة الفعلية خبر لكن والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها.

{رَّجَعْنَا} … مِنْ غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ.

{الْأَعَزُّ} … الأَقْوَى؛ يَعْنُونَ: أَنْفُسَهُمْ.

{الْأَذَلَّ} … الأَضْعَفَ وَالأَهْوَنَ؛ يَعْنُونَ: رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ مَعَهُ.

{الْعِزَّةُ} … القُوَّةُ، وَالغَلَبَةُ.