هذا هو الرّجل الّذي وجّه السّؤال لسيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكان صاحب مال، فسأل النّبيّ ماذا ينفق؟ كان الجواب على من ينفق وبماذا ينفق؟ وهذه الآية والآيات الكثيرة من كتاب الله سبحانه وتعالى الّتي تتعلّق بالإنفاق الّذي هو إخراج المال على المحتاجين، وعلى ذوي القربى، وعلى المصارف الّتي حدّدها القرآن الكريم، لكن بصفة عامّة فإنّ المنهج الإلهيّ جاء من أجل ضبط حركة النّاس في الحياة، ومن أجل أن يساعد النّاس بعضهم بعضاً، وأن يحمي القويّ الضّعيف، وأن تكون هذه الصّلات المجتمعيّة الّتي حدّدها القرآن الكريم بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: من الآية 2]، هذه الصّفات الّتي أرادها الله سبحانه وتعالى من ذلك المجتمع، الّذي يشعر فيه القويّ بحاجة الضّعيف، ويشعر فيه الغنيّ بفقر الضّعيف، ويشعر فيه النّاس باحتياجات بعضهم، باليتامى والمساكين والأرامل والجرحى.. كلّ هذه الحالات في المجتمعات تتكرّر بين زمن وآخر، فوضع الله سبحانه وتعالى ضمن المنهج الإلهيّ عمليّة الإنفاق وجعلها ركناً من أركان الإسلام، بالإنفاق من خلال الزّكاة أوّلاً، وطالما أنّ الزّكاة ركن من أركان الإسلام فلا يظنّنّ أحد بأنّ الفقير فقط هو من يحتاج الغنيّ، إنّ احتياج الأغنياء للفقراء أشدّ بكثير من احتياج الفقراء للأغنياء، لماذا؟ لأنّ الفقير هو جزء من دين الغنيّ، واحتياجات الفقراء هي جزء من أركان الإسلام، فالإسلام بُني على خمس: الشّهادتين وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وصوم رمضان وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً، فالزكاة ركن من أركان الإسلام لا يصحّ إلّا بها، والله سبحانه وتعالى جعل المجتمع الإيمانيّ مجتمعاً متعاضداً ومتماسكاً، كما قال عليه الصّلاة والسّلام: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى»([2])، لا أن يجلس كلّ إنسان على أريكته أو في قصره أو في بيته مرتاحاً ومسروراً واحتياجاته مؤمّنة، ويترك ذوي الحاجات في المجتمع عُرضة لكلّ صنوف الابتلاءات وألوانها في الدّنيا، يقول : فيما يرويه عن ربّه في الحديث القدسيّ: «يا موسى، ما ألجأت الفقراء إلى الأغنياء أنّ خزانتي ضاقت عنهم، وأنّ رحمتي لم تسعهم، ولكنّي فرضت للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، أردت أن أبلوَ الأغنياء كيف مسارعتهم فيما فرضت للفقراء في أموالهم»([3]).
يَسْئَلُونَكَ: فعل مضارع والواو فاعل والكاف مفعول به.
ماذا: ما اسم استفهام مبتدأ ذا اسم موصول خبره والجملة مفعول به مقدم ويجوز اعتبارها كلمة واحدة وإعرابها اسم استفهام
مفعول به مقدم.
يُنْفِقُونَ: فعل مضارع وفاعل والجملة صلة الموصول.
قُلْ: فعل أمر والفاعل أنت والجملة استئنافية.
ما أَنْفَقْتُمْ: ما شرطية جازمة في محل نصب مفعول به مقدم ويجوز إعرابها اسم موصول أنفقتم فعل ماض والتاء فاعل وهو فيمحل جزم فعل الشرط.
مِنْ خَيْرٍ: متعلقان بمحذوف حال من ما.
فَلِلْوالِدَيْنِ: الفاء رابطة لجواب الشرط للوالدين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره، فمعطى للوالدين.
(أَنْفَقْتُمْ): مقول القول، والجملة المقدرة في محل جزم جواب الشرط.
وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ: معطوفة على الوالدين.
وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ: مثل ما أنفقتم من خير والجملة معطوفة أو مستأنفة.
فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ: إن ولفظ الجلالة اسمها وعليم خبرها، وبه متعلقان بعليم والجملة في محل جزم جواب الشرط.
مِنْ خَيْرٍ: من مال كثير طيب، وسمي به لأن حقه أن ينفق في وجوه الخير، وهو شامل للقليل والكثير.
وَالْأَقْرَبِينَ: هم الأولاد وأولادهم ثم الإخوة.
واليتيم: من فقد والده وهو صغير.
والمسكين: من عجز عن كسب ما يكفيه ورضي بالقليل.
وابن السبيل: المسافر.
وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ: إنفاق أو غيره.
فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ: يعلمه ويجازي عليه.