الآية رقم (219) - يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ

ويتعلّق الخمر والميسر بفساد المجتمعات، وعندما جاء الإسلام جاء بحرب لا هوادة فيها على الفكر الأساسيّ الّذي هو العقيدة؛ لأنّه لم يأت إلى ما أَلِفَه النّاس من عبادة الأصنام ليدرّجهم في عدد الأصنام، خمس أصنام فأربع فثلاث فاثنين بالتّدرج، لا يوجد تدرّج في العقيدة: لا إله إلّا الله، انتهى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) [البقرة]، والآيات المكّية تتعلّق بالعقيدة، وبأنّ الله واحد، وأنّه سيحاسب النّاس على عملهم، أمّا التّشريعات فتأتي لمعالجة المجتمع، فالمجتمع قد يكون ألف عادة الخمر والميسر وخصوصاً الخمر الّذي كان كالماء، يُشرب في المجتمعات العربيّة وكان ممّا أَلِفَه النّاس، فلا يمكن أن تأتي إلى ما ألف النّاس وأن تمنعه دفعة واحدة، فقد مُنع بالتّدرّج، ويوجد فارق كبير بين النّصح وبين الأمر، وتفاوتَ الموضوعُ بين النّصح بالبدء إلى الأمر بالانتهاء في الحكم النّهائي بالنّسبة للخمر، فأوّلاً بدأ بالتّدرّج بتحريم الخمر والميسر.

(قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) البدء أوّلاً بما بدأ به القرآن بمعالجة إلف العادة، فبالنّسبة للخمر جاءت هذه الآية: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) إذاً الإثم أكبر من النّفع، والنّفع الّذي تشاهدونه هو نفع قليل، بعد ذلك عندما توضّحت الصّورة ابحثوا وشاهدوا الآيات الّتي في سورة (النّحل): (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) قال: (حَسَنًا) على الرّزق، لكن على السّكر لم يقل شيئاً بل سكت، لم يقل: (حَسَنًا)، نزع كلمة حسناً؛ لأنّه لا يمكن أن يكون السّكر حسناً، لكنّه بدأ بمعالجة هذه الظّاهرة المتفشيّة في المجتمع تدريجيّاً فكانت المرحلة الأولى:(فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، ولكن إثمهما أكبر من نفعهما، بعد ذلك نزل قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) [النّساء: من الآية 43]

يَسْئَلُونَكَ: فعل مضارع وفاعله ومفعوله

عَنِ الْخَمْرِ: متعلقان بيسألونك

وَالْمَيْسِرِ: عطف على الخمر والجملة استئنافية

قُلْ: فعل أمر والفاعل أنت

فِيهِما: متعلقان بمحذوف خبر مقدم

إِثْمٌ: مبتدأ مؤخر

كَبِيرٌ: صفة والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول

وَمَنافِعُ: عطف على إثم

لِلنَّاسِ: متعلقان بمحذوف صفة لمنافع

وَإِثْمُهُما: الواو حالية إثمهما مبتدأ والهاء في محل جر بالإضافة والميم والألف حرفان للتثنية

أَكْبَرُ: خبر

مِنْ نَفْعِهِما: متعلقان بأكبر.

وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ: سبق إعرابها مع الآية «214» .

قُلْ: فعل أمر والفاعل أنت والجملة مستأنفة

الْعَفْوَ: مفعول به لفعل محذوف تقديره: أنفقوا العفو والجملة الفعلية المحذوفة مقول القول

كَذلِكَ: جار ومجرور متعلقان بمحذوف مفعول مطلق

يُبَيِّنُ: فعل مضارع

اللَّهُ: لفظ الجلالة فاعل

لَكُمُ: متعلقان بيبين

الْآياتِ: مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم والجملة استئنافية

لَعَلَّكُمْ: لعل واسمها

تَتَفَكَّرُونَ: فعل مضارع وفاعل والجملة خبر لعل.

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ: أي عن حكم شربهما وتعاطيهما.

والسائلون: هم المؤمنون.

والخمر: من خمر الشيء: إذا ستره وغطاه، سميت بها، لأنها تستر العقل وتغطيه.

والميسر: القمار، مأخوذ من اليسر وهو السهولة، لأنه كسب بلا جهد ولا مشقة.

فِيهِما: في تعاطيهما إِثْمٌ كَبِيرٌ

الإثم: الذنب، ولا ذنب إلا فيما كان ضاراً من قول أو فعل، والضرر إما في البدن أو النفس أو العقل أو المال.

والكبير: العظيم

وسبب الوقوع في الإثم: ما يقع بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش.

وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ باللذة والفرح في الخمر وتحقيق الربح بالتجارة فيها، وإصابة المال بلا كدّ ولا جهد في الميسر

فهي منافع اقتصادية أو شهوانية.

وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما: أي ما ينشأ عنهما من المفاسد وعقاب التعاطي أعظم من نفعهما:وهو الالتذاذ بشرب الخمر، ولعب

القمار، والطرب فيهما، وسلب الأموال بالقمار والافتخار على الأقران

فالكثرة تعني أنَّ أصحاب الشرب والقمار يقترفون فيهما الآثام من وجوه كثيرة.