الآية رقم (12) - يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ

﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: هل الصّنم الّذي يعبده الكافر من غير الله عزَّ وجلّ يمكن أن يضرّه؟ لا، الصّنم لا يضرّ، إنّما الّذي يضرّه حقيقة مَنْ عانده وانصرف عن عبادته، تضرّه الرّبوبيّة الّتي يعاندها، فما معنى: ﴿يَضُرُّهُ﴾ هنا؟ المعنى: لا يضرّه إن انصرف عنه ولم يعبده، ولا ينفعه إنْ عبده.

﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾: نعم ضلال؛ لأنّ الإنسان يعبد ويطيع مَنْ يرجو نفعه في أيِّ شيء، أو يخشى ضرّه في أيِّ شيء، وقد ذكرنا سابقاً قول بعض العارفين: “واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه”، ولو قلنا هذه المقولة لأبنائنا في الكتب الدّراسيّة، واهتمَّ بها القائمون على التّربية لما أغرى الأولاد بعضهم بعضاً بالفساد، ولوقفَ الولد يفكّر مرّة وألف مرّة في توجيهات ربّه، ونصائح أبيه وأمّه، وكيف أنّه سيترك كلّ سوء من أجل أن يأخذ بهذه التّوجيهات والمبادئ السّامية، لا بُدَّ أنْ نُطعِّم أبناءنا بمبادئ الإسلام وأخلاقه وقيمه، ولنلحظ في هذه الآية أنّ الضّرّ سابق للنّفع: ﴿مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾؛ لأنّ دَرْءَ المفسدة مُقدَّم على جَلْب المصلحة؛ لأنّ المفسدة خروج الشّيء عن استقامة تكوينه، والنّفع يزيدنا ويضيف إلينا، أمّا الضّرّ فينقصنا، لذلك خَيْر لنا أنْ نظلّ كما نحن لا ننقص ولا نزيد، فإذا وقف الإنسان أمام أمرين: أحدهما يجلب خيراً، والآخر يدفع شرّاً، فلا شَكَّ أنّه سيختار دَفْع الشّرّ أوّلاً، ويشتغل بدَرْءِ المفسدة قبل جَلْب المصلحة، وضربنا لذلك مثلاً: هَبْ أنّ إنساناً سيرمي لك بتفاحة، وآخر سيرميك بحجر في الوقت نفسه، فماذا تفعل؟ تأخذ التّفاحة، أو تتّقي أَذى الحجر؟ هذا هو معنى: دَرْء المفسدة مُقدَّم على جَلْب المصلحة.

«يَدْعُوا» مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل فاعله مستتر

«مِنْ دُونِ» متعلقان بحال محذوفة والجملة مستأنفة «ما» موصولية في محل نصب مفعول به

«لا يَضُرُّهُ» لا نافية ومضارع ومفعوله وفاعله مستتر والجملة صلة

«وَما لا يَنْفَعُهُ» إعرابها كسابقتها وهي معطوفة

«ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» إعرابها مثل ذلك هو الخسران المبين