الآية رقم (153) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

يخاطب المولى سبحانه وتعالى المؤمنين ويدلّهم على طريق الاستعانة به، يقول تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ وقدّم الصّبر على الصّلاة، نحن نعلم في الحديث أنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما أركب خلفه ابن عمّه عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: «يا غلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف بالله في الرّخاء يعرفك في الشّدة، واعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أنّ الخلائق لو اجتمعوا على أن يُعطوك شيئًا لم يُرد الله أن يعطيك لم يقدروا عليه، أو يصرفوا عنك شيئًا أراد الله أن يُصيبك به لم يقدروا على ذلك، فإذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنَّ مع العسر يُسراً، واعلم أنّ القلم قد جرى بما هو كائن»([1]). المعنى أنّ الاستعانة فقط بالله سبحانه وتعالى، ولكن كيف طريق الوصول للاستعانة بالله؟ تقول: أنا استعنت بالله، وثَبَتُّ على ذلك وانتهى الأمر؟ لا بدّ من طريق حتّى أصل لتحقيق هذه الغاية وهي الاستعانة، طالما قال: إذا استعنت فاستعن بالله، فماذا أفعل حتّى أستعين بالله؟ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾، السّبب: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، فطالما أنت تريد الاستعانة بالله، وتريد أن تكون مع الله، فإنّ الله مع الصّابرين، فادخل نفسك في معيّة الله، ومعيّته مع الصّابرين، لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾، الصّبر من أهمّ عناصر الإيمان، فما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “الصّبر نصف الإيمان”، لماذا الصّبر نصف الإيمان؟ والكثير من الآيات القرآنيّة تحثّ على الصّبر وتطلب من الإنسان الصّبر وحتّى عندما سئل الإمام عليّ كرّم الله وجهه عن حقّ الجار قال: “تقولون: إنّ حقّ الجار أن لا تؤذيه، وأنا أقول: إنّ حقّ الجار أن تصبر على أذاه”، هذا هو الإسلام الّذي يتّهمونه بالإرهاب والقتل والعنف والقسوة ويتّهمونه بالتّخويف وترويع الآمنين.. هذا الإسلام الّذي يقول: حقّ الجار عليك أن لا تؤذيه فحسب، وإنّما أن تصبر على أذاه، فأيّ رفعة وتكريم للإنسان ولحقوق الجوار ولحقوق النّاس، بغض النّظر عن معتقد هذا الجار سواء كان على دينك أم لا.

والصّبر يكون عندما يحدث للنّفس شيء من الجزع والخوف والألم، عندما يحدث لها مصاب فتصبر على هذا الأذى، فالله يطلب منّا حتّى يعطينا المعونة وحتّى ندخل في معيّته أن نصبر، وأن نتّخذ طريق الاستعانة بالصّبر والصّلاة، لذلك فالنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما حقّق معنى المعيّة الإلهيّة صبر على قريش، وصبر على مكر المشركين، وصبر على إيذائه وإيذاء أهله وأصحابه.

وخرج ليلة الهجرة عندما أحاط به المشركون وقال لأبي بكر رضي الله عنه: «ما ظنّك باثنين الله ثالثهما»([2])، فسجّلها القرآن الكريم: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا﴾ [التّوبة]، يا أبا بكر لا تحزن، إنّ الله معنا، إذاً هو في معيّة الله، لماذا؟ لأنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم صبر، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم إذا حزبه أمر يقول: «يا بلال، أقم الصّلاة، أرحنا بها»([3])، فالصّلاة هي صلة مع الله سبحانه وتعالى.

تحقيق الذّكر أن تعيش مع الله سبحانه وتعالى في كلّ الأحوال في فراغك وفي عملك وفي بيتك وطريقك، أن يحيا قلبك بذكر الله والقلوب الّتي تحيا بذكر الله لا تموت أبداً، قال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرّعد]. مع نبض القلوب عبادة لا تحتاج إلى اقتطاع وقت ولا إلى تخصيص مكان، ولا إلى مكين ولا إلى زمان، وإنّما هي دائماً بالقلب أو باللّسان.

وبعد ذلك جاء الأمر بالصّلاة: وهي اقتطاع جزء من الوقت يتّصل به الإنسان مع ربّه، والصّلاة مع الله صلة، والصّلاة هي الدّعاء، والدّعاء هو اللّجوء والرّجاء والطّلب.

يا أيّها الّذين آمنوا ستتعرّضون لأنواع الابتلاءات في هذه الحياة، وتجاوزكم لهذه الابتلاءات دخولٌ في معيّتي، ويكون ذلك من خلال:

1- تحصينكم النّعم بسياج المنعم.

2- والاستعانة بالصّبر على الابتلاءات.

3- وتعزيز هذا الصّبر بالصّلاة، بالاتّصال بالله.

4- وأن تعيش في الذّكر والصّبر، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

والفارق بين الصّلاة والصّبر:

1- أنّك قد تصلّي رياءً ولكن لا يمكن أن تصبر رياءً.

2- الصّلاة قد تكون طقوساً أمّا الصّبر فلا يكون طقوساً.

3- الصّلاة حركة جوارح، أمّا الصّبر فهو فعل وانفعال بالنّفس لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ولم يقل: (إنّ الله مع المصلّين).

قال: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُون﴾ [الماعون]، ولم يقل: ويل للصّابرين؛ لأنّهم لا يمكن أن يكونوا عن صبرهم ساهين..

الصّبر: هو انفعال وجدانيّ نفسيّ، وهو عمليّة تتعلّق بكلّ جوارح الإنسان، وبكلّ خلجات نفسه، إذا تعرّض لمكروه أو أذى أو مصيبة، قال تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

وإيّاكم أن تشردوا عن حضانة الله فحضانة الله تكون من خلال الصّلاة والصّبر والذّكر، فمن أراد أن ينفلت من حضانة الله سبحانه وتعالى فسيهدم هذه الأركان الثّلاثة، وهذا واضح في كتاب الله سبحانه وتعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) المعجم الكبير للطّبرانيّ: أحاديث عبد الله بن عبّاس، الحديث رقم (11265).
([2]) صحيح البخاريّ: كتاب التّفسير، سورة (براءة)، الحديث رقم (4386).
([3]) سنن أبي داود: كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة، الحديث رقم (4985).

(آمنوا): صلة الموصول.

اسْتَعِينُوا: فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب.

بِالصَّبْرِ: متعلقان بالفعل قبلهما.

وَالصَّلاةِ: معطوف على الصبر.

إِنَّ اللَّهَ: إن ولفظ الجلالة اسمها.

مَعَ الصَّابِرِينَ: مع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر إن

الصابرين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والجملة تعليلية لا محل لها من الإعراب.

الصبر: توطين النفس على احتمال المكاره، أي استعينوا على الآخرة بالصبر على الطاعة والبلاء.

وَالصَّلاةِ: خصّها بالذكر لتكررها وعظمها، والصلاة في اللغة: الدعاء

وهي من الملائكة: الاستغفار، ومن الله: الرحمة. مَعَ الصَّابِرِينَ أي معهم بالعون.