الآية رقم (152) - فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ

يا من تعيش في نعم الله يجب عليك ألّا تنسى المنعم، لذلك في سورة (الكهف) قال تبارك وتعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: من الآية 24]،  أي عش دائماً مع الله سبحانه وتعالى، فلا تنسَ الله؛ لأنّك تعيش في دنيا الأسباب، فإذا ذكرت المسبّب لا شكّ أنّك ستتعرف إلى النّعم الّتي أنعمها الله سبحانه وتعالى عليك في هذه الحياة.

الذِّكْر: استحضار الشّيء في البال. وذكر الله: أي عدم نسيانه، بأن تبقى مع الله، والعجيب أنّنا نجد الوهّابيّين يهاجمون علماء الشّام وأهلها؛ بسبب مجالس الذِّكر ومجالس الصّلاة على النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الّتي يقيمونها، نحن نحاجّهم بالقرآن الكريم، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: من الآية 200]، فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا الله، إذاً المناسك شيء والذّكر شيء.

فالذِّكر أسهل وأشمل العبادات على الإطلاق، أن تكون مع الله سبحانه وتعالى، أنت تحتاج إلى ترداد اللّسان حتّى يتحرّك القلب وحتّى يصبح هناك حضور للقلب، فعندما تذكر الله سبحانه وتعالى هل تأتي ببدعة في الدّين؟! هل تخالف أمر الله؟!، ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾، فإن ذكرناه فإنّه سبحانه وتعالى يُمطر علينا من سحائب رحمته.

وذكر الله سبحانه وتعالى ورد في كثير من آيات القرآن، قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة]، وامتدح الله سبحانه وتعالى المؤمنين بأنّهم: ﴿يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: من الآية 191].

فالذِّكر أن تعيش مع الله سبحانه وتعالى، واعتقد بعضهم أنّ أهل الذّكر في الشّريعة الإسلاميّة أخذوا منحى غير مطلوب عندما ردّدوا الكثير من الأذكار، ونحن نقول: إنّ معاني الذّكر واسعة وكثيرة في كتاب الله، والمقصود من الذّكر أن لا تنسى الله وأن تعيش مع الله سبحانه وتعالى، ولا بدّ من ترداد عبارات اللّسان لتحريك القلوب وهذا أمر حسن وجيّد، لكن معنى الذّكر بشكل عامّ هو القرآن كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾ [الحجر]، عندما تقرأ القرآن الكريم فأنت مع الله سبحانه وتعالى فأنت تذكر الله، يقول صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يرويه عن ربّه: «من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين»([1])، وعندما تصلّي على سيّدنا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم فأنت تذكر الله سبحانه وتعالى، وعندما تقول: لا إله إلّا الله، فأنت تذكر الله سبحانه وتعالى، وعندما تقول: سبحان الله، فأنت تذكر الله سبحانه وتعالى، قال صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يرويه عن ربّه عزَّ وجلّ: «أنا مع عبدي ما ذكرني وتحرّكت بي شفتاه»([2]).

كلّ صيغ الذّكر الّتي وردت عن سيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو عن الصّحابة الكرام أو عن العلماء الرّبّانيّين، هذه الصّيغ للذّكر تحرّك القلوب باتّجاه ذكر المولى سبحانه وتعالى وهذا هو المطلوب أن تعيش مع الله، وليس المطلوب ترداد لعبارات فقط باللّسان، لذلك ورد في الحديث القدسيّ: «أنا عند حسن ظنّ عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه»([3]).

هذا يعطي المعنى الشّامل الواسع للذّكر بأنّ تعيش في معيّة الله سبحانه وتعالى وهذا هو المقصود الحقيقيّ لكلّ مجالس الذّكر الّتي تُقام والّتي يتمّ فيها الإكثار من ذكر الله والصّلاة على الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم.

والآية الّتي أمرت بالصّلاة على النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم هي في سورة (الأحزاب): ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب].

والآية الّتي أمرت المؤمنين بذكر الله سبحانه وتعالى هي أيضاً في سورة (الأحزاب): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾[الأحزاب].

لماذا ورد الأمر بهذه الأذكار؟

حتّى نعيش في معّية الله سبحانه وتعالى، لذلك عندما يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾، يذكّرنا بالنّعم الّتي يغدقها علينا، بشكل عامّ حصّنوا النّعم بذكر المنعم، كما ورد في سورة (الكهف): ﴿وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ﴾ [الكهف: من الآية 39]، أنت تحصّن النّعمة بذكر المنعم، هذا هو معنى الذّكر أن تعيش مع الله سبحانه وتعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: من الآية 7]، العلاقة والاتّصال الدّائم مع الله، الذّكر هو أسهل العبادات وأكثر العبادات الّتي تجعل من الإنسان دائم الصّلة مع الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ألا أُخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من تعاطي الذّهب والفضّة، ومن أن تلقوا عدوّكم غداً فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «ذكر الله»([4]). لذلك وردت هنا: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُون

 ﴿وَاشْكُرُواْ لِي﴾: عندما تذكر فأنت تشكر، وعندما تشكر تكثر النّعم عليك بدليل: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: من الآية 7]، إذاً حصّنوا النّعم بسياج ذكر المنعم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) سنن التّرمذيّ: كتاب فضائل القرآن، الحديث رقم (2926).
([2]) شعب الإيمان: العاشر، فصل في إدامة ذكر الله عزَّ وجلّ، الحديث رقم (509).
([3]) شعب الإيمان: العاشر، فصل في إدامة ذكر الله عزَّ وجلّ، الحديث رقم (550).
([4]) مسند أحمد بن حنبل: مسند الأنصار، حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، الحديث رقم (22132).

فَاذْكُرُونِي: الفاء هي الفصيحة اذكروني فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به والجملة جواب

شرط غير جازم لا محل لها.

أَذْكُرْكُمْ: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب والفاعل أنا والكاف مفعول به والجملة لا محل لها.

وَاشْكُرُوا: الواو عاطفة اشكروا مثل اذكروا السابقة.

لِي: جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما والجملة معطوفة.

وَلا: الواو عاطفة لا ناهية جازمة.

تَكْفُرُونِ: فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو فاعل والنون للوقاية والياء المحذوفة في محل نصب

مفعول به والجملة معطوفة على ما قبلها.

ندب الله المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة، ومقابلتها بذكره وشكره، فقال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.

أي فاذكروني بالطاعة والامتثال والعمل الصالح، مثل الحمد والتسبيح والشكر، وقراءة القرآن وتدبرا آياته، والتفكر في الأدلة الكونية على وجودي وقدرتي ووحدانيتي، والتزام ما أمرتكم به، واجتناب ما نهيتكم عنه، والإيمان بالرسل والاقتداء بهم، أذكركم عندي بالثواب والإحسان، وإفاضة الخير، ودوام السعادة والعزة، وأفاخر بكم الملائكة، واشكروا نعمتي التي أنعمتها عليكم بالقلب واللسان واستعمال كل عضو فيما خلق له من الخير والنفع، ولا تكفروا هذه النعم، بصرفها في غير ما يبيحه الشرع، ولا يقره العقل السليم، فإني مجازيكم على ما قدمتم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، كما جاء في آية أخرى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ، إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم 14/ 71] .