الآية رقم (10) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾: أي: يا من آمنتم بي إلهاً ودخلتم معي في عقدٍ إيمانيٍّ بأنّي ربٌّ وإلهٌ وخالقٌ، خذوا عنّي هذه الأوامر.

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿هَلۡ أَدُلُّكُمۡ﴾ بعد: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ تعطي معنى عميقاً يوجب على الخلق أن يرهفوا آذانهم له، فالله سبحانه وتعالى يسأل المؤمنين: إن كانوا يريدون من الله عز وجلَّ أن يدلّهم، فهل تظنّ أنّهم من الممكن أن يرفضوا دلالة الله سبحانه وتعالى لهم على الخير؟ وكأنّ الله سبحانه وتعالى وضع ذاته العليّة موضع الدّليل الّذي يدلّ النّاس في الصّحراء، فيدلّهم على الطّريق الصّحيح الموصلة إلى الغاية فيهديهم سواء السّبيل.

﴿هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَة﴾: لماذا استخدم كلمة التّجارة؟ لأنّ فيها منفعة، ونعلم أنّ التّجارة هي وساطة بين المنتج والمستهلك، المنتج يريد أن يبيع إنتاجه، والمستهلك محتاج إلى هذا الإنتاج، والرّبح عمليّة تطول فترة وتقصر فترة، مع عمليّة تحرّك السّلعة والإقبال عليها إن كان سريعاً أو بطيئاً، فعمليّة التّجارة استخدمها الله سبحانه وتعالى ليبيّن لنا أنّها أقصر الطّرق إلى النّفع، فالتّجارة تقوم على يد الإنسان يشتري السّلعة ويبيعها، ولكنّها مع الله سبحانه وتعالى سيأخذ منك بعضاً من حرّيّة نفسك ليعطيك أخلد وأوسع منها، فالعاقل ينظر لمن سيعطي النّعمة، ولنا الأسوة في سيّدنا عثمان رضي الله عنه في الحادثة المشهورة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: “قَحَطَ الْمَطَرُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقَالُوا: السَّمَاءُ لَـمْ تُمْطِرْ، وَالْأَرْضُ لَـمْ تَنْبُتْ، وَالنَّاسُ فِي شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: انْصَرِفُوا وَاصْبِرُوا فَإِنَّكُمْ لَا تُمْسُونَ حَتَّى يُفْرِّجَ اللَّهُ عز وجلَّ عَنْكُمْ، فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا قَلِيلاً أَنْ جَاءَ أُجُرَاءُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه مِنَ الشَّامِ، فَجَاءَتْهُ مِئَةُ رَاحِلَةٍ بُرّاً، أَوْ قَالَ: طَعَاماً، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى بَابِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، فَقَرَعُوا عَلَيْهِ الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عُثْمَانُ رضي الله عنه فِي مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: مَا تَشَاؤونَ؟ قَالُوا: الزَّمَانُ قَدْ قَحَطَ، السَّمَاءُ لَا تُمْطِرُ، وَالْأَرْضُ لَا تَنْبُتُ، وَالنَّاسُ فِي شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عِنْدَكَ طَعَاماً فَبِعْنَاهُ حَتَّى تُوَسِّعَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ عُثْمَانُ: حُبّاً وَكَرَامَةً، ادْخُلُوا فَاشْتَرُوا، فَدَخَلَ التُّجَّارُ فَإِذَا الطَّعَامُ مَوْضُوعٌ فِي دَارِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا مَعَاشِرَ التُّجَّارِ، تُرْبِحُونِي عَلَى شِرَائِي مِنَ الشَّامِ؟ قَالُوا: لِلْعَشَرَةِ اثْنَا عَشَرَ، فَقَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: قَدْ زَادُونِي، قَالُوا: لِلْعَشَرَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: قَدْ زَادُونِي، قَالُوا: لِلْعَشَرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ، قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ زَادُونِي، قَالَ التُّجَّارُ: يَا أَبَا عَمْرٍو؛ مَا بَقَي فِي الْمَدِينَةِ تُجَّارٌ غَيْرُنَا، فَمَنْ ذَا الَّذِي زَادَكَ؟ فَقَالَ: زَادَنِي اللَّهُ عز وجلَّ بِكُلِّ دِرْهَمٍ عَشْرَةً، أَعِنْدَكُمْ زِيَادَةٌ؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ لَا، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ هَذَا الطَّعَامَ صَدَقَةً عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ([1])، فقد تاجر سيّدنا عثمان رضي الله عنه مع الله عز وجلَّ فرفع من ثمن بضاعته، وما دام سبحانه وتعالى هو الّذي يشتري فلا بدّ أنّ الثّمن كبير؛ لأنّه يُعطي النّعيم الّذي ليس فيه أغيار، فهذه هي التّجارة مع الله عز وجلَّ: ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾[فاطر: من الآية 29]، والله سبحانه وتعالى يعاملنا بملحظ النّفعيّة الإنسانيّة، والذّكيّ واللّبق هو الّذي يتاجر في الصّفقة الرّابحة المضمونة الّتي تكون جدواها والفائدة منها أكثر من سواها، هذه هي الصّفقة الإيمانيّة: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: من الآية 245]، فحين نضحّي بالقليل يُعطينا الكثير، وبلا حدود فضلاً من الله وتكرّماً، ألم تر أنّ الحسنة عنده سبحانه وتعالى بعشر أمثالها وتُضَاعف إلى سبعمئة ضعف؟ أليست هذه تجارة رابحة مع الله عز وجلَّ، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَة تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيم﴾؟ والّذي يتاجر مع الله عز وجلَّ لا بدّ أن يكون ذكيّاً فطناً، ولا بدّ أن يعرف الغاية قبل أن يعرف السّبيل إلى الغاية، وآفة الدّنيا وأهلها أنّهم يعيشون فيها ولا يعرفون غاياتهم النّهائيّة، إنّما يعرفون غايتهم الجزئيّة، والذّكيّ هو الّذي لا يذهب للغايات القريبة المنتهية، بل ينظر إلى الغايات الأخرى، فلا بدّ أن ننظر إلى هذه الغاية وهي الآخرة، وعندها تكون هذه التّجارة تنجينا من عذاب أليم شديد، فنعيم الآخرة دائم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران: من الآية 185]، فهذا هو الفوز العظيم.

([1]) الشّريعة للآجُرّيّ: كتاب ذكر فضائل أمير المؤمنين عثمان بن عفّان t، باب ذكر إكرام النّبيّ ﷺ لعثمان t وفضله عنده، الحديث رقم (1486).

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» سبق إعرابها

«هَلْ أَدُلُّكُمْ» هل حرف استفهام ومضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة الفعلية ابتدائية لا محل لها

«عَلى تِجارَةٍ» متعلقان بالفعل

«تُنْجِيكُمْ» مضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة صفة تجارة

«مِنْ عَذابٍ» متعلقان بالفعل

«أَلِيمٍ» صفة عذاب.