الآية رقم (13) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾: وهو نداء تكرّر كثيراً في القرآن الكريم، يخاطب به الله سبحانه وتعالى من آمن به، وآمن بالمنهج بكلّ ما يقتضيه من (افعل) و(لا تفعل)، وموضوع النّداء واحد، وموضوع النّهي واحد.

﴿لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾: فهو عود على بدء ما بدأت به هذه السّورة، وهذا يلفتنا إلى أنّ القضيّة الّتي تتحدّث عنها الآيات تمثّل أهمّــيّة كبيرة في التّكليف الإيمانيّ، فالولاية نصرة، والنّصرة انفعال النّاصر لمساعدة المنصور، فكيف توالون عدوّ الله عز وجلَّ وعدوّكم وتنتظرون منهم نصرة لكم وعوناً وهم خالفوا منهج الله عز وجلَّ، وحرّفوا ما بين أيديهم من كتب الله سبحانه وتعالى، فالموالاة والنّصرة والمعونة يجب أن تطلبها من الله سبحانه وتعالى، وما دام هناك من يختلف معنا ومن يهجّر شعوبنا ويقتل نساءنا وأطفالنا وينتهك مقدّساتنا فلا موالاة لهم ولا سلام معهم حّتى ينتهوا عن عدوانهم، لذلك كانت قضيّة الموالاة هي محور سورة الممتحنة، وكأنّ الله سبحانه وتعالى يمتحن بها قلوب وأفعال المؤمنين به، فهل هم مؤمنون به حقّاً؟ فلا تتولّوا أعداء الله عز وجلَّ الّذين هم أعداء لكم أيضاً، ثمّ يقول الحقّ سبحانه وتعالى:

﴿لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾: فمن هم القوم الّذين غضب الله سبحانه وتعالى عليهم؟ إنّهم الصّهاينة، الحقّ سبحانه وتعالى أوضح عن هؤلاء في القرآن الكريم، وكشف عنهم للمؤمنين به حتّى لا تكون لهم حجّة عند الله سبحانه وتعالى أو يكون لهم تأويل في ماهيّة مَنْ غضب الله عز وجلَّ عليهم، فإضافة إلى الصّهاينة هناك الكفّار والملحدين، قال سبحانه وتعالى: ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[النّساء: من الآية 144]، ولفظة: ﴿الْكَافِرِينَ﴾ لفظة عامّة تشمل كلّ مَنْ لم يؤمن بالله عز وجلَّ ومن لم يؤمن بمحمّد رسول الله ﷺ، والحقّ سبحانه وتعالى قد أخذ على المنافقين أنّهم يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فأولى بالمؤمنين ألّا يصنعوا ذلك، فإيّاكم أن تفعلوا مثلهم، فأنتم حينها تجعلون لله سبحانه وتعالى عليكم سلطاناً مبيناً واضحاً لإيقاع العذاب بكم في الدّنيا قبل الآخرة، بأن تكونوا تابعين أذلّاء لغيركم، وفي الآخرة بعذاب الله عز وجلَّ؛ لأنّكم فرّقتم المؤمنين بأن تولّيتم غيرهم.

وممّن غضب الله سبحانه وتعالى عليهم: الّذين اتّخذوا ديننا هزواً ولعباً، قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[المائدة].

ويعطينا الحقّ سبحانه وتعالى لفتة في هذه الآية فيقول: ﴿لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا﴾، فجعل ﴿قَوْمًا﴾ بصيغة المفرد، ولم يقل: أقواماً، وكأنّه سبحانه وتعالى يقصد قوماً بعينهم، حتّى أنّ الله سبحانه وتعالى ذكرهم في كثير من الآيات، قال جل جلاله: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ۝ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[المائدة]، فاستحقّوا غضب الله سبحانه وتعالى، فقد غيّروا وبدّلوا وعادوا وقتلوا الأنبياء والرّسل.

﴿قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ﴾: أي: من الثّواب فيها ومن النّجاة من عذابها.

﴿كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾: أي: كما يئس الكفّار من عودة الميّت بعد موته.

ونلاحظ أنّ ختام السّورة هو البدء نفسه، فالمعنى الّذي تدور حوله بداية السّورة ونهايتها وجوب البراءة من أعداء الله عز وجلَّ وعدم موالاتهم، فهو أمر خطر على صفّ المؤمنين، قال سبحانه وتعالى: ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾، وهؤلاء هم أنفسهم الّذين وصفهم الله سبحانه وتعالى هنا بقوله: ﴿قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾وهم اليهود والصّهاينة القتلة كما أجمع عليه العلماء، فكأنّ آية الاستهلال وآية الختام عبارة عن قوسين جمعا فيما بينهما آيات البراءة من اليهود والكافرين وعدم موالاة أعداء الله سبحانه وتعالى على اختلاف أشكالهم، فهناك سمّاهم أعداء الله وهنا: ﴿غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾، فما داموا أعداء الله جل جلاله، وما داموا مغضوباً عليهم، فكيف تواليهم؟ وهذه رسالة لنا جميعاً لنفهم تماماً عندما يتمّ الحديث عن إسرائيل وعن أحلام توراتهم المزعومة، وأحلام عتلات الصّهاينة الّذين يريدون أن يأخذوا أرضنا، ويعتدوا على أعراضنا ومقدّساتنا؛ ليجعلوها دولة عنصريّة حاقدة في وجه الأمّة العربيّة والإسلاميّة.

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» سبق إعرابها.

«لا تَتَوَلَّوْا» مضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعله

«قَوْماً» مفعول به والجملة استئنافية لا محل لها

«غَضِبَ اللَّهُ» ماض وفاعله

«عَلَيْهِمْ» متعلقان بالفعل والجملة صفة قوما

«قَدْ» حرف تحقيق

«يَئِسُوا» ماض وفاعله والجملة حال

«مِنَ الْآخِرَةِ» متعلقان بالفعل

«كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ» كما متعلقان بصفة مفعول مطلق محذوف وماض وفاعله

«مِنْ أَصْحابِ» متعلقان بالفعل

«الْقُبُورِ» مضاف إليه.

{لَا تَتَوَلَّوْا} … لَا تَجْعَلُوهُمْ أَوْلِيَاءَ، وَأَخِلَّاءَ.