الآية رقم (1) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾: هذا نداء من الله عز وجلَّ، يقول: يا من آمنتم بي ربّاً وبأنّي الإله الواحد الخالق الرّازق، خذوا عنّي هذا التّوجيه:

﴿لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء﴾: أي: لا تجعلوا منهم أولياء؛ لأنّهم أعداء والعدوّ لا يكون أبداً وليّاً، فالعدوّ هو مَن يُعاديك ويُصادمك ويحتلّ أرضك، وهذه الكلمة في اللّغة تلزم الإفراد مع المثنى والجمع، تقول: هذا عدوّ وهذان عدوّ وهؤلاء عدوّ، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى على لسان سيّدنا إبراهيم عليه السلام عن الأصنام﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشّعراء: من الآية 77]. المولى سبحانه وتعالى قدّم العداوة الّتي له سبحانه وتعالى: ﴿لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي﴾، فهؤلاء أعداء لله عز وجلَّ، ومن يكون عدوّاً لله عز وجلَّ فحتماً سيكون عدوّاً لكم، فلا تجعلوا منهم أولياء، والوليّ هو الّذي  تواليه وتقرّبه وتتّخذ منه نصيراً ومعيناً، ولو اتّخذتم أولياء من هؤلاء فلا يُنتَظر من ولايتهم خير، وفي آية أخرى بيّن لنا هذا المعنى فقال سبحانه وتعالى: ﴿لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران]، ولأهمّــيّة هذه القضيّة أخذت رقعة واسعة في كتاب الله عز وجلَّ، حتّى لا يقع المؤمنون في هذا الفخّ والمنزلق الخطر، فلا نتّخذ من أعداء الله سبحانه وتعالى وأعدائنا أولياء، ولكن كيف يمكن أن نتّخذ العدوّ وليّاً؟ ومتى تكون العداوة؟ تكون العداوة عندما نتعرّض للاعتداء والقتل والإخراج والتّهجير من الأرض، فليس هناك عداوة أكثر من ذلك، فلا يجوز أبداً في حالة العداء أن يكون من الأعداء أولياء، وهنا أريد أن أتحدّث بالمصطلحات والمفاهيم الدّينيّة والإيمانيّة، وليس بالسّياسة، فعندما نجد اليوم من يرى أنّ الصّهاينة يحتلّون أرضنا، ويهجّرون شعبنا، ويقتلون أطفالنا ونساءنا وشيوخنا، ويدنّسون الأقصى وكنيسة القيامة ومقدّساتنا، ثمّ يقول لنا: سنطبّع معهم، أو نُقيم قمّة السّلام في أوج الاعتداء، فهذا غلط، فالإسلام هو دين السّلام، وتحيّته: السّلام عليكم، والإسلام يدعو إلى السّلام، ولكن وفق ما جاء في القرآن الكريم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾[الأنفال: من الآية 61]، وفي اللّغة تعريف الجنوح: الميل والرّغبة في السّلام، وإعطاء دليل على السّلام، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾[الإسراء: من الآية 24]، فنحن في حالة عدوّ احتلّ أرضنا، وهجَّر شعبنا، ثمّ يقول أحدهم: أنا أدعو إلى السّلام!؟ فأيّ سلامٍ هذا؟ نُدعَى إلى السّلام عندما يُرفَع الاعتداء، وتعود الأرض والمقدّسات، عندها تُرفَع راية السّلام، ويكون سلاماً حقيقيّاً، وهذا لا يخضع لهذه الآية، أمّا الّذي يخضع لهذه الآية هو من يُلقي بالمودّة، ويطبّع العلاقات، ويُقيم صداقات مع عدوّ يحتلّ الأرض، وينتهك المقدّسات، ويقتل، ويشرّد الشّعب فهذا عدوان، ونحن ما كنّا معتدين في يومٍ من الأيّام، ولا نحبّ الاعتداء، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[البقرة]، وبالنّسبة إلينا: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: من الآية 216]، وفي أدبيّاتنا وديننا وإيماننا وإسلامنا: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ﴾[الحجّ: الآية 39- ومن الآية 40]، يعني إذا لم يكن الإخراج من الدّيار، واحتلال الأرض، واحتلال فلسطين والجولان وجنوب لبنان، وتهجير الشّعب الفلسطينيّ، كلّ هذا عدوان، فأيّ شيء هو العدوان؟ ومتى يؤذن بالقتال؟ ومتى يكون؟ ونحن لم نكن معتدين في يوم من الأيّام، وإنّما ندفع عن أنفسنا وعن شعوبنا القتل والعدوان، وهذه هي الحقيقة، فلا نقول أثناء العدوان علينا: إنّنا بقمّة السّلام، ونريد السّلام، أيّ سلام هذا؟ عندما يُرفَع الاعتداء وتُستعاد الأرض والمقدّسات عندها تُرفَع راية السّلام، أمّا عندما يكون القتل والتّهجير، فلا يُرفَع صوت فوق صوت التّحرير، وردّ المقدّسات والأرض.

﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾: المراد تخبرونهم بأسرار النّبيّ ﷺ طلباً لمودّتهم، فجعل الأسرار الّتي تُفشَى كأنّها مودّة ومحبّة بين الطّرفين.

﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ﴾: أي: كيف تفعلون ذلك مع مَنْ كفر بالحقّ الّذي جاء به محمّد ﷺ؟

﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾: أي: يخرجون رسول الله ﷺ ويخرجونكم بسبب إيمانكم بالله عز وجلَّ، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾[غافر: من الآية 28]؛ أي: بسبب قوله: ربّي الله، لذلك لم يطق كفّار مكّة وجود المؤمنين معهم في مجتمع واحد؛ لأنّ وجودهم سيقلب الموازين الاجتماعيّة، وسيسحب بساط السّيادة من تحت أقدامهم، وسيسوّي بين السّادة والعبيد.

﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي﴾: يعني: إن كان خروجكم جهاداً في سبيلي وإعلاءً لديني ونصرةً لرسولي وطلباً لمرضاتي فلا تتّخذوا أعدائي أولياء، كأنّه سبحانه وتعالى يقول لهم: أكملوا الإيمان، وكما صدقتم في خروجكم من أجل الله جل جلاله فاصدقوا معه، ولا تتّخذوا من أعدائه أولياء.

﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾: أي: تودّونهم وتحبّونهم، وتجعلون ذلك سرّاً، أو تسرّون إليهم بأخبار رسول الله ﷺ.

﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ﴾: يعني: احذروا مَن لا تخفى عليه خافية منكم.

﴿وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ﴾: أي: يوالي أعداء الله عز وجلَّ.

﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾: أي: انحرف عن الطّريق المستقيم والنّهج القويم.

والسّواء: هو الوسط، و﴿سَوَاء السَّبِيلِ﴾: هو وسط الطّريق، وهو الطّريق السّليم المستوي الموصل للغاية.

«يا أَيُّهَا» منادى نكرة مقصودة مبني على الضم والها للتنبيه

«الَّذِينَ» اسم موصول بدل

«آمَنُوا» ماض وفاعله والجملة صلة

«لا تَتَّخِذُوا» مضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعله

«عَدُوِّي» مفعول به أول

«وَعَدُوَّكُمْ» معطوف على عدوي

«أَوْلِياءَ» مفعول به ثان والجملة ابتدائية لا محل لها

«تُلْقُونَ» مضارع مرفوع والواو فاعله

«إِلَيْهِمْ» متعلقان بالفعل والجملة حال

«بِالْمَوَدَّةِ» متعلقان بالفعل أيضا.

«وَ» الواو حالية

«قَدْ كَفَرُوا» حرف تحقيق وماض وفاعله والجملة حال

«بِما» متعلقان بالفعل

«جاءَكُمْ» ماض ومفعوله والفاعل مستتر

«مِنَ الْحَقِّ» حال والجملة صلة.

«يُخْرِجُونَ» مضارع مرفوع والواو فاعله

«الرَّسُولَ» مفعول به

«وَإِيَّاكُمْ» معطوف على الرسول والجملة استئنافية لا محل لها،

«أَنْ تُؤْمِنُوا» مضارع منصوب بأن والواو فاعله والمصدر المؤول من أن والفعل في محل نصب بنزع الخافض

«بِاللَّهِ» متعلقان بالفعل

«رَبِّكُمْ» بدل من لفظ الجلالة.

«أَنْ» شرطية

«كُنْتُمْ» ماض ناقص والتاء اسمه

«خَرَجْتُمْ» ماض وفاعله والجملة الفعلية خبر كنتم وجملة كنتم.. ابتدائية لا محل لها

«جِهاداً» مفعول لأجله،

«فِي سَبِيلِي» متعلقان بجهادا،

«وَابْتِغاءَ» معطوف على جهادا

«مَرْضاتِي» مضاف إليه،

«تُسِرُّونَ» مضارع مرفوع والواو فاعله

«إِلَيْهِمْ» متعلقان بالفعل

«بِالْمَوَدَّةِ» متعلقان بالفعل أيضا والجملة استئنافية لا محل لها.

«وَ» الواو حالية

«أَنَا أَعْلَمُ» مبتدأ وخبره والجملة حال «بِما» متعلقان بأعلم

«أَخْفَيْتُمْ» ماض وفاعله والجملة صلة

«وَما أَعْلَنْتُمْ» معطوف على ما أخفيتم

«وَمَنْ يَفْعَلْهُ» اسم شرط جازم مبتدأ ومضارع مجزوم والهاء مفعوله والفاعل مستتر

«مِنْكُمْ» متعلقان بمحذوف حال

«فَقَدْ» الفاء رابطة

«قَدْ» حرف تحقيق

«ضَلَّ» ماض فاعله مستتر

«سَواءَ» مفعول به مضاف إلى السبيل

«السَّبِيلِ» مضاف إليه والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر من وجملة من.. استئنافية لا محل لها.

{أَوْلِيَاءَ} … خُلَصَاءَ وَأَحِبَّاءَ.

{تُلْقُونَ} … تُفْضُونَ.

{أَن تُؤْمِنُوا} … لِأَجْلِ إِيمَانِكُمْ.

{ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} … أَخْطَأَ طَرِيقَ الهُدَى