الآية رقم (11) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

نزلت هذه الآية لـمّا كثر أصحاب رسول الله ﷺ وكثر محبّوه وأهل مجلسه، حتّى أنّهم كانوا يتزاحمون على مجلسه ﷺ ولا يجدون مكاناً، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يوسّع بعضهم لبعض، فقال:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا﴾: أي: توسّعوا، وأوجدوا مكاناً لمن ليس له مكان.

﴿يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾: فعليكم أن تأخذوا بأسباب التّوسعة، والله سبحانه وتعالى يفسح لكم في مجلسكم، وإذا نُسب الفعل إلى الله جل جلاله فهو طلاقة القدرة، أنت تفسح على قدر طاقتك والله سبحانه وتعالى يفسح لك على قدر طاقته، وهذا كقول سيّدنا رسول الله ﷺ: «وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»([1])، فهي صفقة حسابيّة واضحة، فأنت في عون أخيك بقدرتك وطاقتك المحدودة، والله سبحانه وتعالى بحوله وقوّته وطاقته غير المحدودة في عونك، فمن الرّابح؟ وهذا المعنى عامّ في التّوسّع، وسّع لأخيك أو وسِّع عليه يوسّع الله سبحانه وتعالى لك من حيث لا تدري، وهذه التّوسعة من الله عز وجلَّ بركة في المكان وبركة في الرّزق وبركة في كلّ شيء. ويجب علينا جميعاً بهذا التّوجيه من الله سبحانه وتعالى ومن رسول الله ﷺ أن نأخذ به، ونذكر هنا قصّة الرّجل الّذي مات وعليه دين فامتنع رسول الله ﷺ عن الصّلاة عليه، ولكنّه أباح لجماعة المسلمين أن يصلّوا عليه فقال: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»([2])، فما ذنب المدين وقد مات؟ ولماذا امتنع رسول الله ﷺ من الصّلاة عليه؟ قالوا: لأنّه خالف توجيهاً لرسول الله ﷺ حين قال: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ»([3])، وهذ المدين كونه مات دون أن يقضي دينه يعني: أنّه كان في نيّته عدم السّداد، فلم يُعَن عليه، فأحبّ رسول الله ﷺ أن يعلّم أمّته هذا الدّرس.

﴿وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا﴾: يعني: انهضوا وقوموا للتّوسعة.

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾: أي: الّذي يأتمر بهذه الأمور، ويطبّقها، ويأخذ بأسباب العلم الّتي أمر الله سبحانه وتعالى بها، يرفعه الله سبحانه وتعالى درجات، فالإيمان يرتبط دائماً بالعلم، فمن أوتي العلم فقد أوتي خيراً كثيراً، ورفع الدّرجات يكون على قدر العمل بهذا العلم.

﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾: فالحقّ سبحانه وتعالى يريد أن يقوّي إيمان المؤمنين، وكيف يقوى الإيمان؟ كلّما ازداد العلم، والآن نرى أنّ الاكتشافات في الأرض والتّطوّر العلميّ كلّه يقود إلى أن نقول: لا إله إلّا الله، وأن نؤمن بالله سبحانه وتعالى، فالعلم أحد الوسائل الأساسيّة للإيمان، فبالعلم يكتشف الإنسان مدى عظمة وقدرة الخالق سبحانه وتعالى، وأنّه لا يمكن لهذه الهندسة الكونيّة أن تكون من غير موجد، وهنا قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، وليس عليم فقط، بل خبير، والخبرة فوق العلم، فهي زيادة في العلم.

([1]) صحيح مسلم: كتاب الذّكر والدّعاء والتّوبة والاستغفار، باب 11، الحديث رقم (2699).

([2]) صحيح البخاريّ: كتاب الحوالات، باب إن أحال دَيْنَ الـميّت على رجلٍ جاز، الحديث رقم (2289).

([3]) صحيح البخاري: كتاب في الاستقراض وأداء الدُّيون والحَجْر والتَّفليس، باب من أخذ أموال النّاس يريد أداءها أو إتلافها، الحديث رقم (2387).

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا» تقدم إعرابها

«قِيلَ» ماض مبني للمجهول

«لَكُمْ» متعلقان بالفعل والجملة في محل جر بالإضافة

«تَفَسَّحُوا» أمر وفاعله

«فِي الْمَجالِسِ» متعلقان بالفعل والجملة مقول القول

«فَافْسَحُوا» الفاء رابطة وأمر وفاعله والجملة جواب الشرط لا محل لها

«يَفْسَحِ» مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب

«اللَّهُ» لفظ الجلالة فاعل

«لَكُمْ» متعلقان بالفعل

«وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا» تقدم إعراب مثيله.

«يَرْفَعِ اللَّهُ» مضارع مجزوم ولفظ الجلالة فاعله

«الَّذِينَ» اسم الموصول مفعول به

«آمَنُوا» ماض وفاعله والجملة صلة

«مِنْكُمْ» متعلقان بمحذوف حال

«وَالَّذِينَ» معطوف على ما قبله

«أُوتُوا» ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل

«الْعِلْمَ» مفعول به ثان

«دَرَجاتٍ» منصوب بنزع الخافض.

«وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» سبق إعرابها.

{تَفَسَّحُوا} … لِيُوسِعْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فيِ المَجَالِسِ.

{انشُزُوا} … قُومُوا مِنْ مَجَالِسِكُمْ لِأَمْرٍ فِيه خَيْرٌ لَكُمْ