الآية رقم (6) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾: أي: يا أيّها الّذين صدّقوا بالله سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ، أدّبوا أنفسكم وعلّموها، واتّخذوا لها وقاية من النّار، وحافظوا عليها بفعل ما أمركم به الله سبحانه وتعالى وتَرْك ما نهاكم عنه، وليس فقط أنتم، بل عليكم تعليم أولادكم وأسركم وأهليكم، وأمروهم بطاعة الله عز وجلَّ وانهوهم عن معاصيه، وانصحوهم وأدّبوهم حتّى لا تصيروا معهم إلى النّار العظيمة الرّهيبة الّتي تتوقّد بالنّاس والحجارة، كما يتوقّد غيرها بالحطب، قال قتادة: تأمرهم بطاعة الله عز وجلَّ، وتنهاهم عن معصية الله جل جلاله، وأن تقوم عليهم بأمر الله سبحانه وتعالى وتأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيت معصية، قذعتهم عنها، وزجرتهم عنها، ونظير الآية قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾[طه: من الآية ١٣٢]، وقوله جلّ جلاله مخاطباً نبيّه ﷺ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾[الشّعراء]، وقال النّبيّ ﷺ: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ»([1])، فنحن أمام تربية الأولاد والجيل، والنّبيّ ﷺ يقول: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ»([2])، فحقّ على المسلم أن يعلّم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله سبحانه وتعالى عليهم، وما نهاهم عنه، فعلينا أن نعلّم أولادنا الدّين والاستقامة والخير والأدب، وهذه واجبات نجد أنّنا اليوم معنيّون بها أكثر من أيّ زمن، عندما نرى أولادنا وأجيالنا تتخبّط بهم وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وتتخبّط بهم الأهواء، والمنكرات، وفساد القيم والأخلاق، فهنا هذه الآية هي تهديد ووعيد لنا جميعاً، بأنّنا لسنا مسؤولين عن أنفسنا فقط، وإنّما عن أولادنا وأُسرنا، يقول ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»([3]).

﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾: الأهل: هم الزّوجة والأولاد والخدم.

﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾: المراد بالنّاس: الكفّار.

﴿وَالْحِجَارَةُ﴾: الأصنام الّتي تُعبَد من غير الله عز وجلَّ، لقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾[الأنبياء: من الآية ٩٨].

﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾: أي: على النّار خزنة من الملائكة يلون أمرها وتعذيب أهلها، غلاظ أطباعهم، قد نُزِعَت من قلوبهم الرّحمة بالكافرين بالله عز وجلَّ، شداد عليهم، تركيبهم في غاية الشّدّة والصّلابة والمنظر المزعج، لا يرحمونهم إذا استرحموهم، إنّما خلقوا للعذاب، عددهم تسعة عشر ملكاً هم زبانية جهنّم، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾[المدّثّر]، يتميّزون بالطّاعة الكاملة لله سبحانه وتعالى، فهم لا يخالفون أوامره سبحانه وتعالى، ويؤدّون ما يؤمرون به في وقته المحدّد له من غير تراخٍ، فلا يؤخّرونه عنه ولا يقدّمونه، وهم قادرون على الفعل، ليس بهم عجز عنه.

وفائدة الإتيان بالجملتين: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ أنّ الأولى في الماضي، لبيان الطّواعية، فإنّ عدم العصيان يستلزم امتثال الأمر، ولنفي الاستكبار عنهم، كما قال جلّ جلاله: ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ [الأنبياء: من الآية ١٩]، والثّانية للمستقبل وفوريّة التّنفيذ والامتثال، ونفي التّراخي والكسل عنهم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾[الأنبياء: من الآية ١٩].

ثمّ وعظ المؤمنين بما يقال للكافرين عند دخولهم النّار، فقال جل جلاله:

([1]) مسند الإمام أحمد بن حنبل: مُسند المكثرين من الصّحابة، مُسند عبد الله بن عَمْرِو بن العاص 8، الحديث رقم (6756).

([2]) المستدرك على الصّحيحين: ج4، كتاب الأدب، الحديث رقم (7679).

([3]) صحيح البخاريّ: كتاب الجمعة، باب الجُمُعة في القُرى والمدن، الحديث رقم (893).

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ» سبق إعرابها

«آمَنُوا» ماض وفاعله والجملة صلة وجملة النداء ابتدائية لا محل لها

«قُوا» أمر مبني على حذف النون والواو فاعله

«أَنْفُسَكُمْ» مفعول به

«وَأَهْلِيكُمْ» معطوف على أنفسكم

«ناراً» مفعول به ثان

«وَقُودُهَا النَّاسُ» مبتدأ وخبره والجملة صفة نارا

«وَالْحِجارَةُ» معطوف على الناس

«عَلَيْها» خبر مقدم

«مَلائِكَةٌ» مبتدأ مؤخر والجملة صفة ثانية لنارا

«غِلاظٌ شِدادٌ» صفتان لملائكة

«لا» نافية

«يَعْصُونَ اللَّهَ» مضارع مرفوع والواو فاعله ولفظ الجلالة مفعوله

«ما» بدل من لفظ الجلالة والجملة صفة ثالثة

«أَمَرَهُمْ» ماض ومفعوله والفاعل مستتر والجملة صلة.

«وَيَفْعَلُونَ» مضارع وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها

«ما» مفعول به

«يُؤْمَرُونَ» مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة صلة ما.