الآية رقم (1) - يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾: الخطاب للنّبيّ ﷺ، قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾[الأحزاب: من الآية 1]، أليس هو على تقوى من الله عز وجلَّ؟ فالآية تبليغ لأمّة النّبيّ ﷺ، وأحياناً يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ [المائدة: من الآية 41]، والفارق ما بين النّبيّ والرّسول أنّ الرّسول تكون لديه رسالة، أمّا النّبيّ فلا يكون معه شرع جديد ولا رسالة، وإنّما يُنَبّأ ويأتيه الوحي فيكون نبيّاً، فهناك أنبياء رسل، وهناك أنبياء فقط، أمّا الرّسول فحتماً يكون نبيّاً.

والمعنى هنا: يا أيّها الرّسول والمؤمنون به إذا أردتم تطليق النّساء وعزمتم عليه، ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾: وبعض النّاس يأخذون الأمور بشكل سطحيّ، ويعترضون على وجود العدّة، فالعدّة من أحكام الطّلاق الأساسيّة الّتي تحفظ حقوق المرأة، وهنا مباشرة عندما تكلّم سبحانه وتعالى عن الطّلاق، قال: ﴿لِعِدَّتِهِنَّ﴾، والمعنى: إذا أردتم تطليق النّساء وعزمتم على الطّلاق، فيجب أن يكون الطّلاق مستقبِلاً موضوع العدّة قبل وقت العدّة،  والمراد الأمر بالطّلاق في طهر لم يقع فيه جماع، والنّهي عن إيقاعه في الحيض، كما وردت السّنّة الصّريحة بذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فعن سَالِم، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: «لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ العِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجلَّ»([1])، والآية دليل على حرمة الطّلاق في الحيض، وذكر الفقهاء أنّ الطّلاق نوعان:

1- طلاق سنّيّ، 2- طلاق بدعيّ.

الطّلاق السّنّيّ: هو الطّلاق في طهر لا جماع فيه، أو طلاق في أثناء حمل قد استبان، وسمّي طلاق السّنّة لاتّفاقه مع ما ورد في القرآن الكريم والسّنّة الشّريفة.

أمّا الطّلاق البدعيّ: فهو الطّلاق في أثناء الحيض، أو في طهر قد تمّ فيه الجماع، خشية الحمل، وسمّي طلاق البدعة للزّيادة على الأقراء الثّلاثة؛ لأنّها إذا طُلّقت وهي حائض لم تحسب حيضتها، بل تزيد على ثلاثة أقراء فتطول العدّة عليها، وهو حرام لإلحاقه الضّرر بالزّوجة، بتطويل المدّة الّتي تنتظرها لانتهاء العدّة؛ لأنّ بقيّة الحيض لا تُحسَب من العدّة عند القائلين بأنّ الأقراء هي الأطهار، وكذلك الطّهر الّذي بعد الحيضة الّتي طُلِّقت فيها عند القائلين بأنّ الأقراء الحيضات، ولا بدّ من حيضات ثلاث كاملة، وألحق الفقهاء بذلك في الحرمة الطّلاق في النّفاس، ونصّت السّنّة النّبويّة على صورة الطّلاق البدعيّ المحرّم في طهر جامعها فيه، إذ ربّما تحمل، ويندم الرّجل على الطّلاق، لكنّ الخلع في الحيض بعوض من المرأة ليس محرّماً عند كثير من الفقهاء؛ لأنّ بذلها المال يُشعر بحاجتها إلى الخلاص، وبرضاها بتطويل المدّة، والله سبحانه وتعالى قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾[البقرة: من الآية ٢٢٩]، وأذن النّبيّ ﷺ لثابت بن قيس في الخلع على مال، دون سؤال عن حال زوجته وقتها، والأفضل بالاتّفاق كون الطّلقة مرّة واحدة، ويكره عند مالك الثّلاث متفرّقة أو مجموعة، وعند الحنفيّة: يكره الزّيادة على الواحدة في طهر واحد، ثمّ أمر الله سبحانه وتعالى بضبط العدّة وإحصاء وقتها، فقال:

﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾: أي: احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها، لتكون عدّة كاملة، وهي ثلاثة قروء تامّة، والخطاب للأزواج، وضبط العدّة واجب لإجراء أحكامها فيها من تحديد حقّ الرّجعة للزّوج والإشهاد عليها، ونفقة الزّوجة وسكناها، وعدم خروجها من بيتها قبل انقضائها.

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾: وهذا الّذي يضمن تنفيذ الأوامر والأحكام الإلهيّة في موضوع الطّلاق فلا تعصوه فيما أمركم، ولا تضارّوا نساءكم بتطويل العدّة على المرأة، أو لتحرموها من حقوقها.

﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾: نسب البيوت إلى الزّوجات؛ أي: لا تخرجوا المطلّقات من بيوتهنّ في مدّة العدّة، فلكلّ امرأة معتدّة حقّ السّكنى على الزّوج، ما دامت معتدّة منه، فليس للرّجل أن يخرجها، ولا يجوز لها أيضاً الخروج ما دامت في العدّة إلّا لأمر ضروريّ، رعاية لحقّ الزّوج، وقد أضاف البيوت إليهنّ، وهي لأزواجهنّ لتأكيد النّهي عن الإخراج والخروج، وهناك حرمة في إخراج النّساء من البيوت.

﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾: أي: لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ إلّا إذا ارتكبن فاحشة الزّنى، أو إذا نشزن، أو صدر منهنّ بذاءة في اللّسان واستطالة على السّاكن معهنّ في ذلك البيت من أهل الرّجل، فحينئذٍ يحلّ إخراجهنّ من المساكن لبذاءتهنّ وسوء خلقهنّ.

﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾: أي: وهذه الأحكام الّتي بيّنها الله سبحانه وتعالى لعباده هي حدود الله عز وجلَّ الّتي حدّها لهم، لا يحلّ لهم أن يتجاوزوها إلى غيرها، ومن يتجاوز هذه الحدود المذكورة فقد أوقع نفسه في الظّلم، وأضرّ بها، وأوردها مورد الهلاك، ثمّ ذكر الله سبحانه وتعالى علّة تحريم تعدّي حدود الله عز وجلَّ، فقال:

﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾: أي: لا تدري أيّها المطلِّق، ما الّذي سيحدث بعد ذلك، فإنّما أبقينا المطلّقة في منزل الزّوج في مدّة العدّة، لعلّ الإلفة تعود إليهما، ولعلّها إذا بقيت في بيتها أن يؤلّف الله سبحانه وتعالى بين قلوبهما فيتراجعا، بأن يراجعها الزّوج، فيكون ذلك أيسر وأسهل، فالمقصود بالآية الرّجعة، وهذا واقع غالب، فإنّ غالب الطّلاق يحدث نتيجة خلافات وغضب، أو مكايدة ظاهريّة، ثمّ تزول عوامل القلق، وتهدأ الأعصاب، ويعود الرّجل إلى عقله ووعيه، ويحسّ بقسوة الطّلاق، ويتذكّر محاسن زوجته، ويغضّ النّظر عن مساوئها، كما قال ﷺ فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»([2])، والحديث مؤيّد للآية: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾[النّساء: من الآية ١٩]، وقد تكون المرأة حاملاً، ثمّ بيّن الله سبحانه وتعالى الحكم عند الاقتراب من نهاية العدّة، فقال جلّ جلاله:

([1]) صحيح البخاريّ: كتاب تفسير القرآن، باب 326، الحديث رقم (4908).

([2]) صحيح مسلم: كتاب الرّضاع، باب الوصيّة بالنّساء، الحديث رقم (1469). ومعنى: «لا يفرك مؤمن مؤمنة»، قال أهل اللّغة: فركه يفركه إذا أبغضه، والفرك: البغض.

«يا أَيُّهَا» يا حرف نداء ومنادى نكرة مقصودة وها للتنبيه

«النَّبِيُّ» بدل

«إِذا» ظرفية شرطية غير جازمة

«طَلَّقْتُمُ النِّساءَ» ماض وفاعله ومفعوله والجملة في محل جر بالإضافة

«فَطَلِّقُوهُنَّ» الفاء رابطة وأمر وفاعله ومفعوله والجملة جواب الشرط لا محل لها

«لِعِدَّتِهِنَّ» متعلقان بمحذوف حال

«وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ» أمر وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة على ما قبلها

«وَاتَّقُوا اللَّهَ» أمر وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة على ما قبلها

«رَبَّكُمْ» بدل

«لا تُخْرِجُوهُنَّ» مضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعله والهاء مفعول به

«مِنْ بُيُوتِهِنَّ» متعلقان بالفعل والجملة استئنافية لا محل لها

«وَلا يَخْرُجْنَ» مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة وهو في محل جزم بلا الناهية والنون فاعله والجملة معطوفة على ما قبلها

«إِلَّا» حرف حصر

«أَنْ يَأْتِينَ» مضارع مبني على السكون في محل نصب بأن والمصدر المؤول من أن والفعل في محل نصب حال

«بِفاحِشَةٍ» متعلقان بالفعل

«مُبَيِّنَةٍ» صفة

«وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ» مبتدأ وخبره ولفظ الجلالة مضاف إليه والجملة استئنافية لا محل لها

«وَ» الواو حرف استئناف

«مِنْ» اسم شرط مبتدأ

«يَتَعَدَّ» مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل مستتر

«حُدُودُ اللَّهِ» مفعول به مضاف إلى لفظ الجلالة

«فَقَدْ» الفاء رابطة

«قد ظَلَمَ» حرف تحقيق وماض فاعله مستتر

«نَفْسَهُ» مفعول به والجملة في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ من وجملة من.. استئنافية لا محل لها

«لا» نافية

«تَدْرِي» مضارع فاعله مستتر

«لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ» لعل واسمها لفظ الجلالة ومضارع فاعله مستتر والجملة خبر لعل

«بَعْدَ ذلِكَ» ظرف زمان واسم إشارة في محل جر بالإضافة

«أَمْراً» مفعول به والجملة الاسمية سدت مسد مفعولي تدري وجملة تدري استئنافية لا محل لها.

{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} … مُسْتَقْبِلَاتٍ لِعِدَّتِهِنَّ، أَيْ: فِي طُهْرٍ لَمْ يَقَعْ فِيهِ جِمَاعٌ.

{وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} … احْفَظُوهَا؛ لِتَعْلَمُوا وَقْتَ الرَّجْعَةِ إِنْ أَرَدْتُّمُ المُرَاجَعَةَ.

{بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} … بِمَعْصِيَةٍ ظَاهِرَةٍ؛ كَالزِّنَى، وَالتَّطَاوُلِ عَلَى الزَّوْجِ بِاللِّسَانِ