الآية رقم (3) - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا

﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾: أي: ومن يثق بالله سبحانه وتعالى فيما نابه وفوّض أمره إليه بعد اتّخاذ الأسباب، ومنها السّعي لكسب الرزق، كفاه الله سبحانه وتعالى ما أهمّه في أموره جميعها؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى هو القادر على كلّ شيء، الغنيّ عن كلّ شيء.

﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾: إنّ الله سبحانه وتعالى يبلغ ما يريده، ولا يفوته مراد، ولا يعجزه مطلوب.

﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾: قد جعل للأشياء قدراً قبل وجودها، وقدّر لها أوقاتها، فجعل سبحانه وتعالى للشّدّة أجلاً تنتهي إليه، وللرّخاء أجلاً ينتهي إليه، وإذا كان الرّزق وغيره من الأشياء لا يكون إلّا بتقدير الله سبحانه وتعالى، ولا يقع إلّا وفق علمه، فليس للعاقل إلّا التّسليم للقدر، كما قال جل جلاله: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾[الرّعد: من الآية ٨]، وهذا دليل على وجوب التّوكّل على الله عز وجلَّ وتفويض الأمر إليه، مع بيان السّبب والحكمة، فنحن عندما نعرف أنّ الأمور كلّها بيد الله عز وجلَّ، وأنّ الأقدار بيده سبحانه وتعالى، ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾، فهذا يُريح المؤمن؛ لأنّ المؤمن مأمور بالأخذ بالأسباب، لا تستطيع أن تقول: قدّر الله وما شاء فعل، إلّا بعد أن يقع، أمّا قبل وقوعه تأخذ بالأسباب، ثمّ بعد وقوعه، تقول: إنّه قضاء وإنّه مقدّر، أمّا قبل وقوعه، فلا تقول: قدر، فما الّذي أدراك؟ عليك أن تأخذ بالسّبب، وأن تعمل، وهذا أيضاً بالنّسبة إلى التّوكّل، عليك أن تأخذ بالسّبب، وأن تعمل؛ لأنّ النّبيّ ﷺ قال: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ»([1])، فنحن أُمرنا أن نعمل، والله سبحانه وتعالى يعلم، وقبل وقوع الشّيء نحن الّذين نفعل، ونفعله بإرادة الله عز وجلَّ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى لا يأمر إلّا بالخير، يقول تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾[النّحل: من الآية 90].

وقد جاءت هذه الآية: ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ بين الآيات الّتي تتحدّث عن الطّلاق وأحكام العدّة، وهذا هو الفارق بين القرآن الكريم وبين أيّ كتاب آخر، فهو يوظّف كلّ شيء من أجل الإيمان، ومن أجل الأحكام الّتي أرادها الله سبحانه وتعالى، فإيّاك أن تعتقد أنّ الله سبحانه وتعالى سيعطيك أوامر متتالية فقط، بل سيبيّن لك العلّة، ويبيّن لك المراد، ويبين لك المآل، ويبيّن لك المفتَرَض، فأنت عندما تتحدّث عن الطّلاق، تتحدّث عن ضيق وعن مشكلة، وعن قلّة رزق وعن نفقة، وعن مشكلات تحدث بين الرّجل وزوجته، فجاء حكم عامّ للقضايا كلّها: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾، بعد ذلك يتابع المولى سبحانه وتعالى الأحكام:

([1]) سنن التّرمذيّ: أبواب صفة القيامة والرّقائق والورع، باب 60، الحديث رقم (2517).

«وَيَرْزُقْهُ» معطوف على يجعل مجزوم مثله والهاء مفعول به

«مِنْ حَيْثُ» متعلقان بالفعل

«لا» نافية

«يَحْتَسِبُ» مضارع فاعله مستتر والجملة في محل جر بالإضافة

«وَ» الواو حرف عطف

«مِنْ» اسم شرط مبتدأ

«يَتَوَكَّلْ» مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط

«عَلَى اللَّهِ» متعلقان بالفعل

«فَهُوَ حَسْبُهُ» الفاء رابطة ومبتدأ وخبره والجملة في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر من وجملة من.. معطوفة على ما قبلها

«إِنَّ اللَّهَ بالِغُ» إن واسمها وخبرها

«أَمْرِهِ» مضاف إليه والجملة استئنافية لا محل لها

«قَدْ جَعَلَ اللَّهُ» قد حرف تحقيق وماض وفاعله

«لِكُلِّ» متعلقان بالفعل

«شَيْءٍ» مضاف إليه

«قَدْراً» مفعول به والجملة حال.

{لَا يَحْتَسِبُ} … لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ، وَلَا يَتَوَقَّعُ.

{حَسْبُهُ} … كَافِيهِ.

{بَالِغُ أَمْرِهِ} … مُنَفِّذٌ حُكْمَهُ؛ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، وَلَا يُعْجِزُهُ مَطْلُوبٌ.

{قَدْرًا} … أَجَلًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ.