﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ﴾: قلنا: إنّ الرّياح إذا جاءت بصيغة الجمع دلَّتْ على الخير، وإنْ جاءتْ مفردة فهي آتية بالشّرّ، وإذا نظرنا إلى الجبال العالية وإلى ناطحات السّحاب، نقول: ما الّذي يُقيم هذه المباني العالية، فلا تميل؟ الجواب: الّذي يمسكها هو الهواء الّذي يُحيط بها من كلّ ناحية، ولو فرَّغْنا الهواء من أحد نواحيها لانهارت فوراً، فالرّيح من هنا، ومن هنا، ومن هنا، فهي رياح متعدّدة تُصلِح ولا تُفسِد، وتُحدِث هذا التّوازن الّذي نراه في الكون، أمّا الرّيح الّتي تأتي من ناحية واحدة فهي مدمّرة مهلكة، كما جاء في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾[الحاقّة: من الآية 6]، وقال الحقّ عزَّ وجلَّ: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[الأحقاف: من الآية 24].
﴿بُشْرًا﴾: بسكون الشّين، مع أنّها في الأصل بُشُراً، مثل: رُسُل، فلمّا خُفِّفَتْ صارت بُشْراً، والبُشْرى: هي الإخبار بما يسرُّ قبل زمنه، فلا نقول: (يبشّر) إلّا في الخير، وكان العربيّ ساعة تمرّ عليه الرّياح يعرف كم بينه وبين المطر، فيحكم على مجيء المطر بحركة الرّياح الطّريّة الّتي تداعب خدّه.
﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾: يقال: بين يديك، يعني: أمامك، والمراد هنا المطر الّذي يسبق رحمة الله عزَّ وجلَّ.
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ﴾: السّماء لها معنى لُغويّ، ومعنى شرعيّ، فهي لغةً: كلّ ما علاك فأظلّك، وشرعاً: هي هذه السّماء العالية المتماسكة، الّتي تتكوّن من سبع سموات، لكن أينزل المطر من السّماء أم من جهة السّماء؟ الجواب: المطر ينزل من الغمام من جهة السّماء، والغمام أصله من الأرض نتيجة عمليّة البخر الّذي يتجمّع في طبقات الجوّ، كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾[النّور: من الآية 43]، فرحمة الله عزَّ وجلَّ هي الماء الّذي خلق الله تعالى منه كلّ شيء حيٍّ.
﴿مَاءً طَهُورًا﴾: الطَّهُور: الماء الطّاهر في ذاته، المطهِّر لغيره، فالماء الّذي تتوضّأ به طاهر ومطهّر، أمّا بعد أنْ تتوضّأ به فهو طاهر في ذاته غير مُطهِّر لغيره، وماء السّماء طاهر ومُطهّر؛ لأنّه مُصفّى مُقطّر، والماء المقطّر أنقى ماء، بالإضافة إلى أنّ الماء قِوَام الحياة، منه نشرب ونسقي الزّرع والحيوان والطّير، فالماء يعطينا الحياة، ويعطينا الطّهارة.