﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾: رغم أنك علمت أنّه هو المنعم، وأنّه هو الّذي خلق، وأعدّ لك كلّ هذه النّعم من حولك، خلق لك الماء والهواء والبحار والأنهار والشّجر والنّبات والحيوان، وكلّ ذلك من أجلك أيّها الإنسان، ومع ذلك:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَادًا﴾ ، ليس كلّ النّاس.
﴿أَندَادًا﴾: النّدّ: هو النّظير والمثيل والشّبيه.
إمّا أن تكون هذه الأنداد وهذه النّظائر، الآلهة الّتي صنعوها وعبدوها من الأصنام والحجارة أو من الشّمس، وإمّا أن تكون هوى الإنسان، كما قال تبارك وتعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الفرقان: من الآية 43]، هوى الإنسان هو ندّ، أحياناً الإنسان من ضلاله يعبد نفسه أو يعبد الآخرين، يعتقد أنّه بيدهم ملكوت السّماوات والأرض، يعتقد أنّهم ينفعون ويضرّون، وأنّهم يُحيون ويُميتون، وأنّهم يعزّون ويذلّون، والله سبحانه وتعالى هو وحده الّذي يحي ويميت: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ﴾ [آل عمران: من الآية 26]، الله سبحانه وتعالى هو وحده المتصرّف وهو المالك الوحيد، لذلك يجب أن ننتبه ألّا يكون توجّه القلب نحو الأسباب، يجب أن لا نغفل عن ربّ الأسباب وهو المسبّب الحقيقيّ، ورغم كلّ هذه الدّلالات على وجود الله فهناك بعض النّاس ﴿مِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ﴾.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾: والمؤمنون يعتقدون بأنّ الله هو النّافع وهو الضّارّ، يحبّون الله سبحانه وتعالى، ودليل حبّهم لله أنّهم يسلّمون لقضائه، فكيف تُعبّر عن حبّك لله؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبّـــــه هذا لعمري في القياس بديعُ
لو كان حبّك صــــادقاً لأطعتـــــه إنّ المحــــــبّ لمــــــن يحبّ مطيــــعُ
المحبّة تقتضي الطّاعة ولا يمكن أن تحبّ الله سبحانه وتعالى وتعصيه. ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾: فالمؤمنون يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى عند المصيبة، كما يشكرونه على النّعمة والعطاء، بينما الّذين يتخذون من دون الله أنداداً عندما يتعرّضون للمصائب ويشتدّ عليهم الكرب والألم هل يلجؤون إلى الّذين يحبّونهم كحبّ الله؟ إذا انقطع في الصّحراء أو كان في طائرة وكادت أن تحترق أو كان مريضاً وشارف على الموت فإنّه يقول: يا ربّ، أمّا الّذي لا يؤمن بالله هل يعتقد عندها وهو في هذه اللّحظات الحرجة بأنّ من يحبّه أو يلجأ إليه، ومن يتّخذه إلهاً من دون الله أنّه سينجيه؟ لا يلجأ إليه في هذه السّاعة؛ لأنّه يعلم بفطرته أنّ الله هو وحده الّذي يُنجيه ويكشف عنه الغمّ والهمّ، وهو الوحيد الّذي يستطيع أن يُزيل عنه ألمه.
هناك سعادةٌ لا يشعر بلذّتها إلّا المؤمن، هذه السّعادة منشؤها اليقين الّذي زرعه الإيمان في قلبه، عندما يعلم الإنسان أنّ الله هو الّذي يخفض ويرفع ويصل ويقطع فإنّه يعيش في انسجام روحيّ مع نفسه وذاته ومحيطه، فإذا أصابته مصيبة قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وإذا نظر إلى النّعم الّتي يتقلّب فيها لجأ إلى ربّه بذكر المنعم وشكره.
فالمؤمن في سعادةٍ دائمةٍ وهي مبنيّةٌ على قوله سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرّعد].
﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾: الظّالم مَن يظلم غيره أو مَن يظلم نفسه، فالّذي يظلم غيره أي يتجاوز عليه في حقوقه، أمّا الّذي يظلم نفسه فالّذي يمتّعها ويعطيها شهوة عاجلة ويمنعها من نعيم دائم، فمن فعل الحرام وعلم أنّ نتيجة الحرام وجزاءه عذاب الله لا شكّ أنّه قد ظلم نفسه.
﴿إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾: يرون بعين اليقين، نحن في الدّنيا لا نرى العذاب عين اليقين، لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التّكاثر].
فعين اليقين حين يرى الإنسان العذاب حقّاً يوم القيامة.
﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾: عندما يرى العذاب ويعلم أنّ كلّ القوّة لله عزَّ وجلّ، كلّ ما كان من سلطان المال، من سلطان الجاه، من سلطان الصّحّة، من سلطان الأسباب قد زال وأنّ القوّة لله جميعاً.