الله سبحانه وتعالى كان يتحدّث عن الّذين يحبّون الأنداد أو النّظائر وهي إمّا أن تكون حجراً أو بشراً أو أنّ الإنسان يحبّ نفسه ويعبد هواه، فالّذين كانوا يتعلّقون بغيرهم تبرّأ منهم من كانوا يعبدونهم من دون الله سبحانه وتعالى. والشّيطان الرّجيم -وقد اتُّبع من الكثيرين من البشر- هو أوّل من يتبرّأ ممّن اتّبعه، ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾ [إبراهيم]، تبرّأ الشّيطان من الّذين استجابوا لوساوسه، وهو أساس السّوء وأساس كلّ المظالم والجرائم، وما يحيك في صدر الإنسان من مفاسد فإنّما هو وسوسة الشّيطان وتزيينه.
إذاً الشّيطان أوّلاً، ثمّ كلّ من أغواك بالدّنيا يتبرّأ منك في الآخرة.
﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾: سيأتي الإنسان يوم القيامة فرداً: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم]، في هذا اليوم: ﴿لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا﴾ [لقمان]، ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدّثر]، إذاً تنقطع الأسباب، لا يبقى أسباب، تعيش هناك في عالم الآخرة مع المسبِّب فقط، أمّا في الدّنيا فنحن في عالم الأسباب، إذا لم تشرب لا تروي الظّمأ، وإذا لم تأكل تجوع، وإذا لم تتحرّك لن تحصل على نتيجة للعمل؛ لأنّ الله ربط الأمور بالأسباب، الإنسان يضيع في الأسباب، ويعتقد أنّ الأسباب هي الفاعلة بحدّ ذاتها، أمّا في الآخرة فقد تقطّعت الأسباب.